كيم جميل
لغز الأمريكان المفقودين بالعراق
مترجم للألوكة من اللغة الإنجليزية
ترجمه للعربية: نجاح شوشة
لا تَزال مستمرَّة هي مُعاناةُ الشعب الأمريكي؛ جرَّاء حرب العراق التي زجَّ جورج بوش بأبنائهم فيها عام 2003، وتَكشِف الأيَّام عن فُصولٍ جديدة من تلك المُعاناة، ومن بين صُوَرِها قضيَّة الجنود الأمريكيِّين المختَفِين في العِراق منذ سنوات؛ فلم يُعثَر عليهم بين الأحياء ولا بين الأموات.
وسلَّطت الباحثة "كيم جميل" الضوءَ على هذه القضيَّة، من خِلال تقريرٍ لها في صحيفة واشنطن بوست؛ حيث تَناولتْ واقعة اختِطاف أحد الجنود الأمريكيين الذي خُطِف على يد مُسلَّحين أثناء زِيارته لزوجته العراقيَّة وسط العاصمة العراقيَّة بغداد.
وقال التقرير المنشور: "بعد مُرور أكثر من أربع سنوات ما زال المجنَّد الأميركي أحمد قصي الطائي المُقِيم بولاية مشيجن والمولود بالعراق - ما زال مفقودًا في هذا البلد".
ومع انتِهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق بِحُلول نهاية العام الجاري
[1]، قرَّرت الوحدة العسكريَّة التي ينتَمِي إليها أحمد قصي الطائي البحثَ عنه وعن اثني عشر مدنيًّا مفقودًا، بينهم سبعة أمريكيون.
وأشارَ التقرير إلى أنَّ عمليَّات الخطف من أجْل الحصول على فدية أو لدوافع سياسيَّة، وضَحاياها عراقيون، وكذلك من الأجانب - كانت مسألةً متكرِّرة بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وذلك قُبَيل إصابة البلاد بحالةٍ من التدهور الأمني الفادِح عقب عمليَّة تفجير أحد المراقد الشيعيَّة في مدينة سامرَّاء، شمال بغداد عام 2006.
ورغم تحسُّن الوضع الأمني في العراق، وتمكُّن القوَّات الأميركيَّة والعراقيَّة من الوصول إلى الكثير من المناطق التي كان ارتيادُها مخاطرةً غير محمودة العواقب؛ لوجود الجماعات المسلَّحة على أرضها، إلاَّ أنَّ الجندي الأمريكي أحمد الطائي وعددًا آخَر من المفقودين لا يزال غير معلوم.
وبحسب تقرير الواشنطن بوست، فإنَّ الطائي الذي عمل مترجمًا لجيش الاحتلال الأمريكي قد تعرَّض لعمليَّة الاختطاف في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 2006، وأعلنتْ مصادر من داخل عائلته أنَّ خاطفيه طلَبُوا فديةً مقابل إطلاق سَراحه، وذلك بعد أسبوعٍ تقريبًا من الحادث.
وبالفعل التَقَى أحدُ أقارب الجندي الأمريكي بأعضاء جماعةٍ كانتْ تقف وراء عمليَّة الاختطاف، وعرضوا عليه فيديو يُظهِر رجلاً يشتبه في أنَّه الطائي الذي كان عمره 41 عامًا آنذاك، لكنَّ أقاربه طالبوا الخاطفين بدليلٍ قوي على أنَّه ما زال حيًّا.
ولفتَ تقرير الصحيفة الأمريكيَّة إلى أنَّ "انتفاض قنبر" المتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي - وهو عم ذلك الجندي الأمريكي - يَنفِي تلقِّي أسرته أيَّ مطالب بفدية.
ويقول قنبر: إنَّ سلسلة مفاوضات أجريت مع وسطاء، وكشف أنَّ آخِر مرَّة شُوهِد فيها الطائي كانت بعد أربعة أشهر من خَطفِه بشريط فيديو بثَّته جماعةٌ تسمي نفسها: "عصائب أهل الحق الشيعية" على الإنترنت.
وكان المجنَّد الأمريكي أحمد الطائي قد تجاهَل تحذيرات أسرته بعدم الخروج من المنطقة الخضراء المحصنة بشكلٍ كبير، وكان مُصرًّا على أنْ يذهبَ لرؤية زوجته التي تسكن في حي الكرادة وسط بغداد.
وقد خُطِف أثناء ذَهابه لجلْب زوجته من بيت عمِّها بذلك الحي على يد مسلَّحين كانوا يختَبِئون في مبنى مهجور، ثم شنَّ الجيش الأمريكي حملة بحث واسعة فور خَطفِه في حي الكرادة ومدينة الصدر ببغداد، وقام باعتقال أربعة خاطفين بعد عدَّة أيام، إلاَّ أنَّ الطائي كان قد سُلِّمَ إلى جماعة أخرى، ونُقِلَ إلى جنوب العراق.
وذكَر تقرير واشنطن بوست أنَّه بعد العُثور على رُفات طيَّار البحرية الأمريكية مايكل سبيشر، الذي أُسقِطت طائرتُه الليلة الأولى من حرب الخليج عام 1991، أصبَحَ الطائي من الناحية الرسميَّة هو المجنَّد الأمريكي الوحيد الذي ما زال مفقودًا بالعراق.
لكنَّ الخطيرَ في قضيَّة المفقودين الأمريكيين في العراق أنها لا تتوقَّف عند حدِّ الجنود الذين اختفوا أو فُقِدَ أثرُهم، وإنما تتجاوَز ذلك لأعدادٍ من المدنيين الأمريكيين، لم يَعُدْ لهم أيُّ وجود، ولم تظهر أيُّ شواهِد تكشف عن مصيرهم بعد اختفائهم في العراق!
ويقول الرائد جيمي سميث من القوَّات الجويَّة الأمريكيَّة: إنَّ هناك تسعة أمريكيين مُختَطفون في العراق منذ عام 2004، بينهم ثلاثة على الأقل تُوجَد أدلَّة على أنهم ما زالوا على قيد الحياة.
وصرَّح المصدر العسكري الأمريكي بأنَّ هناك خطَّةً حاليًّا ترمي إلى نقْل ملف هؤلاء المفقودين في العراق إلى وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، على خلفيَّة أنَّ الوزارة وعدَتْ بأنَّ انْسِحاب الجيش الأمريكي من هذا البلد سيَعقُبُه حضورٌ دبلوماسي قويٌّ من جانب واشنطن.
ويرى المراقبون أنَّ ملفَّ المختطَفِين الأمريكيين في العراق وفي هذه المرحلة الحسَّاسة من تاريخ الحرب؛ حيث تستعدُّ إدارة الرئيس باراك أوباما لاستكمال عمليَّات الانسحاب وإخلاء جيشها من هذا البلد - يُذكِّر بالثمن الغالي الذي دفَعَه الشعب الأمريكي جرَّاء هذه المُغامَرة العسكريَّة غير المحسوبة التي أقدمَتْ عليها إدارة الرئيس السابق.
لَم تتوقَّف خَسارةُ الشَّعب الأمريكي في هذه الحرب عند حدِّ العَدَد الهائل من القَتلَى والمصابين، ولم تتوقَّف هذه الخسارة عند حدِّ الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي كانتْ حرب العراق سببًا رئيسًا فيها، وإنما امتدَّت إلى قضيَّة المفقودين من المواطنين الأمريكيين، الذين تُؤكِّد دوائر إعلاميَّة مُطَّلعة أنَّ أعدادهم تَفُوقُ بكثيرٍ ما يتمُّ الإعلان عنه بشكلٍ رسمي، والذين لا يعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة بالفعل، أم أنهم قد قتلوا بدون أنْ يكون هناك أيُّ دليل أو أثَر.
ومهما يكن فإنَّ مأساة المفقودين من العراقيين لا تقلُّ في خُطورتها عن مأساة المفقودين من المواطنين الأمريكيين جرَّاء هذه الحرب؛ حيث كشف تقريرٌ صدَر عن اللجنة الدوليَّة للصليب الأحمر الدولي: أنَّ عدم معرفة العدد الحقيقي للمفقودين في العراق يظلُّ مشكلة حقيقيَّة، وأنَّه حتى بوجود العدد الأدنى للمفقودين، وهو 375 ألف مفقود، فإنَّ ذلك يُشكِّل مأساةً حقيقيَّةً تُواجِهها عائلات المفقودين، وبخاصَّة في ظلِّ مُواصَلة العثور على الجثث بشكلٍ يومي، وسط دوَّامة العُنف التي تحصد المدنيين الأبرياء من العراقيين.
وأكَّد التقريرُ أنَّ معهد الطب العدلي في بغداد تسلَّم حوالي 20 ألف جثَّة بين 2006 ويونيو 2007، وأنَّه لم يتمَّ التعرُّف على 50 في المائة من هذه الجثث، مُشِيرًا إلى أنَّه تَمَّ دفن أربعة آلاف جثة مجهولة الهويَّة منذ عام 2003، في مقابر خاصة، نظرًا لعدم وجود مَن يتعرَّف عليها.
وأوضح التقرير أنَّ عمليَّة البحث عن المفقودين غاية في التعقيد، بل شبه مستحيلة؛ وذلك بسبب تَردِّي الوضع الأمني، وانتشار البُؤَرِ المسلَّحة في أنحاءٍ مختلفة من العراق.
وكشَف التقريرُ أنَّ فحْص الحِمض النووي يُعدُّ واحدًا من وسائل التعرُّف على الجثث في معهد الطب العدلي، وأنَّ العراق يُعانِي من نقْص في المختصِّين، ولَفَتَ إلى أنَّ عمليَّة فحْص الحمض النووي لنحو 20 ألف جثَّة ومطابقته قد تستَغرِق سنة كاملة أو أكثر.
[1] نشر التقرير بتاريخ: 22/ 1/ 2011