العراق, الإيراني, الإخطبوط, واستنزاف
الإخطبوط الإيراني واستنزاف نفط العراق (2)
الاثنين 13 فبراير 2012
تقرير مركز *ستراتفور للأبحاث
ترجمة/ شيماء نعمان
الشبكة الإيرانية لتهريب النفط في العراق
تمتلك إيران شبكة موسعة من السياسيين والنقابات والتكتلات النفطية والميليشيات التي تستخدمها في جني ثمار إنتاج النفط في جنوب العراق. ويتطلب تعدد اللاعبين والأيديولوجيات المعقدة التي تشكل المشهد الشيعي في العراق من إيران أن تكرس الكثير من الوقت والموارد للتحكم في مختلف أصحاب المصالح في صناعة النفط جنوبي العراق. ويتيح هذا التنوع لإيران أيضًا دفع الأطراف المختلفة ضد بعضهم البعض من أجل الاحتفاظ بسيطرتها على شبكة تهريب النفط.
الجماعات السياسية
وفي أفضل الحالات، ترغب إيران في رؤية الجنوب العراقي يتحول إلى دولة منفصلة ذات غالبية شيعية في إطار اتحاد فيدرالي عراقي من شأنه أن يعمل كتابع لإيران. أما من الناحية النظرية، فإن وجود مثل هذه الدولة من شأنه أن يتيح لإيران إقامة مجال نفوذ أكثر وضوحًا في أوساط شيعة العراق؛ وذلك للمساعدة في التحكم في المهام ذات الأهمية مثل توزيع الإيرادات الناتجة عن شبكة تهريب النفط. إن رغبة إيران في قيام دولة شيعية منفصلة في العراق ربما تفسر السبب الذي جعل من أقرب حليف سياسي لإيران، وهو المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، أقوى مؤيد داخل البرلمان العراقي لإقامة منطقة شيعية في الجنوب.
إلا أن الغالبية العظمى لجماعات الشيعة في الجنوب- مثل حزب الدعوة والتيار الصدري وحزب الفضيلة - قد عارضوا الفكرة. وتعمل هذه الجماعات على نحو وثيق مع الإيرانيين ولكنهم أكثر قومية ولا يزال يعتقدون في ضرورة الحفاظ على استقلال سياسي بعيدًا عن إيران.
ويعد "حزب الفضيلة الإسلامي" هو الأكثر تورطًا في عمليات تهريب النفط العراقي. بل حتى يعرف عن أهل البصرة إشارتهم إلى "حزب الفضيلة الإسلامي" بـ "حزب النفط الإسلامي". ويمتاز الحزب بأنه ذو نزعة قومية عراقية قوية وطالما كان مناوئًا شديدًا أمام محاولات بغداد لجلب خبرات أجنبية في مجال الطاقة إلى الجنوب وذلك خوفًا من تقويض نفوذه الإقليمي، غير أن زعيم الحزب الشيخ "محمد اليعقوبي" تربطه صلات ودية مع إيران.
ويتمتع حزب الفضيلة بوجود كبير في شركة نفط جنوب العراق كما يحتفظ بعلاقات قوية مع نقابة العاملين في صناعة النفط بالبصرة. ويدفع الحزب عادة لموظفي شركة نفط جنوب العراق ممن يتعاونون معه في عمليات سرقة النفط ما بين نحو 5000 دولار إلى 10000 دولار لكل شحنة مكونة من 1000 برميل. ويأتي كذلك حزب الفضيلة في الصدارة في جنوب العراق عندما يتعلق الأمر باستغلال إيرادات النفط لشراء ولاء الجماعات السياسية المحلية والعصابات وقوة الشرطة في البصرة.
الميليشيات
تلعب إيران دورًا بارزًا في إدارة الميليشيات المختلفة المتورطة في عمليات تهريب النفط جنوبي العراق.ففي مقابل حماية مصالح الطاقة الإيرانية والتخلص من أية مقاومة لشبكات تهريب النفط الإيرانية، تحصل الميليشيات على نصيب معتبر من الفوائد. إلا أنه حينما تصعد إحدى هذه الميليشيات لتصبح ذات قوة كبيرة، تجد إيران كالعادة وسائل لتقويض قوتها من خلال تنمية جماعات متناحرة منشقة أخرى وكذلك دمج بعض العناصر الميليشية إلى داخل الأجهزة الأمنية بل وفي بعض الأحيان إلى داخل العملية السياسية. وتعتمد إستراتيجية إيران في إدارة العراق على تغيير القيادات الشيعية الرئيسية التي تتعامل معها، وهو الأمر الذي يضمن لها ألا يصبح أحدهم ذا قوة تكفل له التفكير في التخلي عن إيران أو التحول ضدها.
وكانت هذه الديناميكية قد اتضحت في تعاطي إيران مع الزعيم الشيعي العراقي "مقتدى الصدر" والميليشيا التابعة له "جيش المهدي"، وكذلك مع "عصائب أهل الحق" - التي انشقت عن الصدريين بدعم إيراني - وصعود نجم "كتائب حزب الله" في شبكة تهريب النفط الإيرانية.
وقد درج الصدر وأتباعه من الناحية التقليدية على أن يكونوا قوميين بشكل قوي كما راعوا أن ينأوا بأنفسهم بعيدًا عن إيران. وعندما انشق "قيس الخزعلي"- الذي كان قد درس على يد والد الصدر آية الله العظمى "محمد صادق الصدر"- عن الجماعة في عام 2004 لتشكيل فصيل خاص به، عملت إيران على تطوير علاقات وطيدة بفصيل الخزعلي. وقد شكل الخزعلي في النهاية مليشيا "عصائب أهل الحق" وذلك بمساعدات إيرانية مالية وعسكرية ضخمة.
وفي عام 2007، هرب الصدر إلى إيران على ضوء تهديدات من جانب الجيش الأمريكي ومن خصومه من الشيعة. وقد أعلن الصدر أنه أبطل نشاط "جيش المهدي" في عام 2008 في مقابل الاضطلاع بدور في الحكومة العراقية. ويشغل الصدريون حاليًا 40 مقعدًا؛ ما يمثل غالبية مقاعد الائتلاف الشيعي الحاكم في البرلمان، كما يسيطرون على سبعة وزارات على الرغم من أن الصدر لا يزال تحت نفوذ إيران. في حين أنه في مطلع العقد، حظى التيار الصدري باستقلالية أكبر في شئون الجنوب العراقي؛ غير أن "لواء اليوم الموعود"- والذي تطور من "جيش المهدي"- يتوافق بانسجام حاليًا ضمن نطاق النفوذ الإيراني.
وبينما تضاءل نفوذ الصدريين في الجنوب وصعد نجمهم في أروقة الحكومة المركزية، أصبحت "عصائب أهل الحق" هي المليشيا الأساسية التي تعتمد عليها إيران لإدارة أعمالها في البصرة. وقد أثبتت الميليشيا أنها كفء لاسيما في احتواء مقاومة العشائر للعمليات الإيرانية في البصرة، والتي يأتي معظمها من قبل الشيخ "كاظم العنيزان"، الذي يتزعم مجلس عشائر جنوبي العراق والذي قيل أن أتباعه يتجاوز تعدادهم ثلاثة ملايين شيعي.
وأحد دلائل نفع جماعة "عصائب أهل الحق" لإيران قد شوهدت عندما شكل الشيخ القبلي "محمد البهادلي"، زعيم "مجلس التحرر والبناء"، ميليشيته الخاصة والتي يطلق عليها "أسد الله الغالب". فبحسب مصدر لمركز "ستراتفور" في المنطقة، قامت "عصائب أهل الحق" على نحو سريع بالتخلص من هذه الميليشيا. كما أن"عصائب أهل الحق" لها شهرة بتصفية خصوم إيران في الجنوب، بما فيهم شيوخ العشائر، ومسئولون بموانئ البصرة وأم القصر، وموظفون من شركة نفط جنوب العراق ممن رفضوا التعاون مع الشبكة الإيرانية لتهريب النفط.
وتمشيًا مع التكتيكات السابقة، تبدو إيران على استعداد مجددًا لتنويع أرصدتها من الميليشيات المسلحة؛ كما أنها قد لعبت دورًا رئيسًا في الضغط على الحكومة المركزية في العراق لضم الخزعلي و"عصائب أهل الحق" إلى العملية السياسية. وقد أعلنت الحكومة العراقية، في مطلع شهر يناير، أن جماعة "عصائب أهل الحق" لم تقدم بعد أسلحتها ولكنها وافقت على إلقاء سلاحها وتخطط للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة تحت اسم جديد.
ومع دخول "عصائب أهل الحق" إلى الساحة السياسية، أعدت إيران ظهيرًا رئيسًا آخر من الميليشيا الشيعية وهو- "كتائب حزب الله"- لتحل محل دور "عصائب أهل الحق" في حماية أعمال تهريب النفط. ولم تعرب "كتائب حزب الله" عن أي اهتمام بشأن الاضطلاع بدور في العملية السياسية؛ مشددة على ضرورة أن تلعب دورًا قتاليًّا رائدًا في الجنوب. أما الجماعات الهامشية ذات التوجه الإسلامي والتي لائمت نفسها سياسيًّا مع إيران في مقابل حصص نفطية تتضمن: "حركة سيد الشهداء"، و"حزب ثأر الله الإسلامي"، و"شهداء المحراب"، و"حزب 17 مارس".
شبكة النفط الإيرانية
إن الشخصية الإيرانية الرئيسة التي تتحكم في شبكات نفط البصرة هو الجنرال "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ويلعب سليماني دورًا رئيسًا في شراء الولاء في البصرة وباقي أنحاء الجنوب باستخدام عائدات النفط المسروق. ويتم إيداع معظم الأموال في فروع لمصارف مملوكة للحرس الثوري الإيراني في العراق. وتتولى شبكة سليماني مهام تهريب السلاح، وتهريب النفط إلى إيران، وكذلك جمع وتوزيع عائدات النفط، بالإضافة إلى اختطاف (وفي بعض الأحيان اغتيال) شخصيات مناهضة لإيران جنوبي العراق.
نفوذ طهران على حكومة بغداد
تتخذ هيمنة إيران على عمليات تهريب النفط في البصرة شكلاً مؤسسيًّا يفوق تمامًا قدرة الحكومة المركزية في بغداد على السيطرة. وعلى الرغم من أن إيران تعمل على تعزيز النفوذ الشيعي في العراق، إلا أنها لا ترغب في رؤية سلطة مركزية قوية في بغداد يمكنها أن تحاول تقويض نفوذها المترسخ فعليًّا في الجنوب. وبناءً على ذلك، قاومت إيران بهدوء ولكن بحزم محاولات رئيس الحكومة العراقية "نوري المالكي" لبسط سيطرة مطلقة على الحكومة ومساعيه لتعزيز قوته العسكرية والسياسية في الجنوب.
وفي الواقع، تعد وسيلة إيران الأكثر فاعلية لضمان نفوذها على السلطات السياسية في بغداد هي الاحتفاظ بقبضة قوية على عملياتها لتهريب النفط في الجنوب. وتستغل إيران قوة نفوذها في العراق لضمان حصول السلطات الحكومية العراقية، بما فيها المالكي، على حصص ضخمة من العائدات الشهرية لسرقة النفط – تصل إلى ملايين الدولارات - مما يجعل بغداد أقل ميلاً للاحتجاج على التدخل الإيراني في الشئون العراقية.
ويأتي النفوذ الإيراني الكبير والمتزايد على صناعة النفط في العراق في صميم تحديها للولايات المتحدة في محاولة تقويض إيران في العراق. غير أنه عندما يتعلق الأمر بقرارات سياسية حرجة بشأن تمديد وجود القوات الأمريكية في العراق أو قبول مساعدة عسكرية كبيرة من الولايات المتحدة، فإن إيران تتمتع بقوة مالية وافرة من عائدات النفط التي تربحها من عمليات التهريب للتأثير على عقول صانعي القرار العراقيين. وبالمثل، فقد أخفقت المساعي التي تقودها الولايات المتحدة لتشديد العقوبات في النظر بعين الاعتبار لملايين الدولارات التي تقدر إيران على جلبها يوميًّا من خلال قنواتها الغامضة في جميع أنحاء البصرة.
-----------------------------------------------
*ستراتفور: شركة أبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية تقدم معلومات استخباراتية حول الكثير من المجالات حول العالم مثل الأعمال، الاقتصاد، الأمن والعلاقات السياسية.
الإخطبوط الإيراني واستنزاف نفط العراق (1)