لوقف, المسلم, شنودة, هلاك
موقف المسلم من هلاك شنودة
داود العتيبي
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمد لله المعز لعباده والناصر لأوليائه وبعد :
إن الساعات التي نمر بها الآن حرجة غاية الحرج ومضطربة أشد الاضطراب، وذلك أنه نصبت لنا مصيدة اصطيد فيها كثير من الرجال البارزين والمتَّبَعين والإسلاميين مع أسفي وبثي وحزني، وذلك أن بعضنا يعاني من انفكاك بين الإسلام والسياسة، فيُسيِّر الإسلام على خطى السياسة في كثير من أحواله، حتى إذا ما ازدحما أشاح بوجهه عن الإسلام ومد يده للسياسة واحتضنها، فلا يفيق من غفلته حتى تصفق له الأيدي والأرجل اعجابا بحنكته وسياسته ، وانبهارا بفهمه العميق للإسلام وسماحته، فما يزال هذا وأضرابه ينقضون عرى الإسلام عروة عروة حتى يجيء الزمن الذي لا نفرق فيه بين الإسلام والجاهلية .
ومما يشحن هذا المفهوم ويَضرِمه العقلُ الغربي بمفهومه اليهودي والنصراني والملحد، لأن هذا يُمهد له سبيلَه في إحكام القبضة على عقول السذج من أبناء المسلمين ويجعلهم طوعا لإملاء السموم التي يبثونها .
ومما يؤكد هذا الاتجاه – أعني اتجاه تسيير الإسلام في عباءة السياسة- الواقع الذي نشاهده ونلمسه، فملة الكفر واحدة والمسلم لا يقبل ولا يدين بغير الإسلام لأنه خاتم الأديان، فإذا كان الأمر كذلك فيجب أن تشترك الرؤية والنظرة إلى العدو باعتباره عدوا للإسلام أولا وءاخرا .
ولنضرب لذلك مثلا :
حزب الله .
فتاريخ حزب الله عريق في الأرض الإسلامية ويده المضرجة بالدماء فاحت رائحتها، فبدأ كثير من العلماء بالتحذير من هذا الحزب انطلاقا من العقيدة أولا ومعرفة بالواقع ثانيا، إلا أن الصوت العام لم يكن يسمح بالكلام عليه، حتى مد يده إلى جسد الأمة مرة أخرى ولكن بصورة أوضح فتغيرت الرؤية واختلف المشهد فصار المُمجد له ذاما وقادحا ، وبقي الطرف الأول اليقِظ على حاله فلم يتغير من أمره شيء لأن الصورة لديه واضحة من قديم .
فصار اليوم حزب اللات، وتذكر الآن أنه طعن في عائشة وأبي بكر وعمر، وأنه قتل وشرد واستباح، هؤلاء هم السياسيون .
وليس الشيعة منفكين عن حزب الله، فكان الحكم لدى هؤلاء السياسين ممتدا إلى الشيعة تعظيما وتبجيلا إلى أن تبدل الحال الآن .
وهذا التاريخ الآن يعيد نفسه مجسدا بهؤلاء من غير استحياء أو وجل .
متى ذلك وأين ؟
ظهر عند هلاك بابا النصارى شنودة الثالث، فسمعنا من الهتافات والنداءات والنياحة والحزن والتعزية ما يندى لها الجبين وما لم يُسمع معشاره عند وفاة عالم من علمائنا وكبير من كبرائنا، بل لم نسمع عشر معشاره من النصارى أنفسهم عند وفاة أحد منا وإن عظم قدره وجلت منزلته .
وليست المسألة خلافا فقهيا - هل يجوز التعزية بخصوصها أم لا يجوز - الأمر أكبر من ذلك في صورة هلاك شنودة .
فإن يد النصارى وإن اختلفت أصابعها طولا وقصرا إلا أنها مشربة بدم الكفر ، يجري في كل أصبع فيها دم الصليب الحاقد على أبناء المسلمين .
وما شنودة إلا تلميذ مخلص لهذه المدرسة الكافرة المشركة التي تزعم أن المسيح هو الله فكان لزاما على المسلم أن يبغضه ويمقته أشد المقت انتصارا لله العزيز من غير أن يخاف لومة لائم .
قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) .
فلا يجتمع في القلب إيمان ومودة للكافر ولو كانوا من أقرب الناس إليهم، فهذا أبو عبيدة ابن الجراح قتل أباه ، وهذا أبو بكر يقاتل ابنه، وهذا عمرو بن العاص يقتل خاله ، هؤلاء الذين غُرس الإيمان في قلبهم فظهرت ثمرته ناضجة باسقة فجزاهم الله بالتأيد والنصر وذوق حلاوة الإيمان وأدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار .
والآية الأخرى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
فمن اختار الكفر على الإيمان ورضي به دينا وربا وجب بغضه ، ومن ينصره ويعضده فهو ظالم آثم لأنه ناصر عدو الله .
وإذا كان هذا الأمر في القريب من أب وأخ فكيف بالبعيد ؟
فليت شعري أين المتباكون والمحزونون على هلاك رأس الكفر ومعدن الصليب !!
يا من تقول : إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع على فراق شنودة، ألا تتقي الله وتستحي منه، أين أنت من كتاب ربك، أين أنت من نصرة الدين والعقيدة، لقد زعم شنودة أن المسيح هو الله أفيحزن قلبك وتبكي عينك عليه ؟؟
إن هذا الكلام سقيم ولإن قاله معتقدا خشي على دينه من الكفر .
بل بعضهم ترحم عليه وكأنه لم يسمع قول الله :
" مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ"
ووصفَ الله حال نبيه إبراهيم عليه السلام عن أبيه بعد أن استغفر له " فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " .
ثم ما تغيب هذه الصورة السوداء حتى يظهر آخر له قبول وصيت بين الناس فيجلس أكثر من ساعة على شاشة التلفاز ليتحدث عن شنودة وعظمته ، فيا غربة الدين ويا غربة الإسلام .
إن هذا الموقف الأثيم يزعزع الإيمان في قلوب الناس ويفتت أركان ولائهم وبرائهم .
ما ذا حصل في هذه الساعة يا مسلمين ؟
فأول ما تفوه به أن قال : قداسة البابا .
ولو قال نجاسة البابا كان أولى وأليق لأن الله قال : "إنما المشركون نجس ".
ثم ابتدأ حديثه بالتمجيد والتعظيم لشنودة ومبرزا سماحته ومحبته ، ومظهرا آثاره ويقول كلاما في غاية المعصية :" إن نقاط الاتفاق مع النصارى أكبر من نقاط الاختلاف فلا أدري لماذا يحرص البعض على إثارة هذه الأمور ، إنهم يثيرونها للفتنة وليكسبوا قرشين ".
قلت : وإن كل مسلم يعلم ما في هذا الكلام من كبائر الذنوب وعظائم المصائب فإن نقاط التلاقي عنده متمثلة بالحرص على الأخلاق العامة والوطنية واللغة العربية وهي أكبر من مسألة التوحيد والعقيدة .
هذا مفهوم كلامه ولا يفهم غير هذا أحد ، فهل يريد منا هؤلاء أن نكفر بالله لنجتمع معهم ، ألم يعلم أن لا سبيل إلى جمع الناس على قلب واحد إلا بالعقيدة الصافية التي بعث الله بها الأنبياء ، وإذا كان من يتكلم في مسألة الخلاف صاحب فتنة فهذا اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من العلماء لأنهم لم يفتئوا من الكلام على ما ضلت به الأمم من الشرك بالله والكفر به وعبادة الصليب وهذا مما نخالف به النصارى بلا ريب .
ثم يستضاف معه في الحلقة قس ليدع له المجال في الحديث ! فما ذا قال ؟
لقد استغل هذا القِس الفرعوني هذه الساعة ليتحدث عن عظمة شنودة ويدس السم ثم يقول إن ربنا يسوع المسيح قال لشنودة : ...، ثم ينقل كلاما من الكتاب المقدس ، ثم يتحدث عن دير النصارى وما يحصل في الكنائس، ثم يتصل آخر ويقول إن شنودة شفيعنا عند الله .
وهذا الداعية جالس ينظر إلى نفسه صامت لا ينطق بحرف ، لا تتحرك غيرته للانتصار لله ولم يغضب أن قال إن المسيح هو الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر .
وغاب عن هذا الداعية قول الله :
( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)
وقد أجمع العلماء على أن من لم يكفر النصارى فهو كافر ، فقد كفر الله في القرءان طوائف النصارى الثلاث ، من قالوا هو الله ، وابن الله ، وثالث ثلاثة . ووصفهم بالجملة بالمشركين في أكثر من موطن قال تعالى : ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين )
بل إن من لم يكفرهم مكذب لله ورسوله .
وهم حطب جهنم : لأن الله قال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) .
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" . رواه مسلم
وفي الحديث القدسي : يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيدعي أن لي صاحبة وولدا وما اتخذت صاحبة ولا ولداً، وأما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء .
فهذه عقيدة المسلم التي يعتقد بها ويرى من خلالها النصارى ، ولا يوجب هذا علينا أن لا نعاملهم بالحسنى لتأليف قلبهم وهدايتهم بل إن الدعوة بالتي هي أحسن واجبة علينا ،ولكن من غير خلط بين المسألتين ، ففي مسألة الدعوة يجب بذل النصح والحسنى، وفي مسألة هلاك شنودة يجب البراءة منه لأنه هلك وانتهى ، وقد كان حربا على الدين، جاعلا دير النصارى سجونا لمن ترك النصرانية واعتنق الإسلام ، ناشرا للشرك والكفر والكنائس عياذا بالله .
ثم تظهر صورة هي أشد الصور قتاما تلكم هي وقفة الحِداد التي رأيناها من بعض المنتسبين إلى الشريعة، تلكم الوقفة الآثمة آذت المسلمين أشد الإيذاء وفرح بها أعداء الدين أشد الفرح بل جعلوا من هذا الموقف سخرية علينا واستهزاء بنا .
إن هذا الحداد أولا فيه تشبه بالكافرين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " من تشبه بقوم فهو منهم "، فلا يعرف الإسلام حدادا على أحد .
ثانيا إن هذا الحداد مع ما فيه من التشبه يرسخ محبة هذا المشرك في قلوب الناس لما فيه من التعظيم والإجلال .
ثالثا : رأيت ممن استدل بجواز ذلك على وقوف النبي صلى الله عليه وسلم عند مرور جنازة يهودي ، وهذا فهم بعيد عن الحق والصواب ، فإن النبي صىلى الله عليه وسلم وقف تعظيما للجنازة لا تعظيما لما فيها، وقد قال بعض العلماء إن هذا الحكم منسوخ ، ثم إن وقوف النبي للجنازة وهي حاضرة أمامه ، لم تكن غائبة كما في صورة هؤلاء .
وقد رأيت بأم عيني تعليقا من النصارى على هذه الحادثة فبعضهم تفل وبعضهم ود لو يبول عليهم، ومنهم من قال :هؤلاء يتشرفوا بالوقوف تعظيما لشنودة، وغير ذلك من الهزء والسخرية والاحتقار ، وهذا عقاب من الله على هؤلاء الذين خالفوا سنة الله وتشبهوا بفعلة النصارى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
ختاما : إن مما يبعث بالهم والأسى أن يكون أهل الضلالة أشد تمسكا بدينهم وعقيدتهم من المميعين من أبناء أمتنا ، فلم يتعلموا الدرس من تمييع العقيدة مع الشيعة حتى جاء النصارى مرة أخرى بثوب جيد وحلة أخرى .
ولو سألت الرافضة أو النصارى عن حكمهم فينا لقالوا من غير تأخر : أكفر من إبليس .
ولن تسمع ترحما منهم علينا ولا لينا في القلوب بل هم يدوسون حياض الإسلام في كل مكان ومازلنا نخفض برؤوسنا كي يمتطوها فيحققوا مآربهم .
وقد كنا نقول قديما مجبورون ولكن أين الإجبار الآن والحرية أبوابها مفتحة ولكن هذه الفتن تغربل الصف ليتميز الخبيث من الطيب وإنا لله وإنا إليه راجعون .
لقد سمعنا ضجيجا شديدا من أبناء المسلمين على هلاك هذا المشرك ولم نسمع صرخة واحدة على أخواتنا المعذبات المسجونات في كنائس النصارى وما ذنب النسوة هؤلاء إلا أنهم ءامنوا بالله وكفروا بالصليب .
داود العتيبي .
ashafi3i@hotmail.com