02-04-2013 ~ 07:36 PM
الجامعة الأمريكية في أفغانستان واحتلال العقول
مشاركة رقم 1
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012
مفكرة الإسلام
كتبه للمفكرة/ شريف عبد العزيز الزهيري
"يبدو أن التعليم هو الصفقة الكاملة في هذه الأيام"
بهذه الكلمات المعبرة اختتم "كريس تايلور" عضو في مجلس أمناء الجامعة الأميركية في أفغانستان مقالته الهامة في مجلة "فورين بوليسي" التي شرح فيها أهمية دور الجامعة الأمريكية في أفغانستان، لتحفيز المستثمرين الأمريكان على استثمار 80 مليون دولار في الجامعة المذكورة، وهي الميزانية المقدرة لها خلال الخمس سنوات القادمة.
أمريكا بعد أكثر من عشر سنوات من الاحتلال العسكري لأفغانستان، وخسائر مادية وبشرية مهولة، وصلت إلى قناعة أكيدة مفادها: أن الحسم العسكري لن ينتهي بشيء في هذا البلد المشتهر تاريخيًّا بأنه "مقبرة الغزاة"، وأن على الأمريكان أن يلجئوا إلى طريقة أخرى لتكريس وجودهم في هذه المنطقة الحساسة من العالم، ومن ثم كان التحول الأمريكي المعروف، من القوة الخشنة إلى القوة الناعمة التي ثبت أنها الأكثر فاعلية مع الشعوب العنيدة الصلابة، أو بعبارة أخرى مع الشعوب المسلمة. الأستاذ بجامعة هارفارد المشهورة "جو ناي"، الذي صاغ نظرية "القوة الناعمة"، يصفها بأنها القدرة على الحصول على النتائج من خلال الجذب وليس عن طريق القوة أو الدفع، والتعليم كان دائمًا موردًا هامًّا لتحقيق ذلك"، فالتعليم كان دومًا من أسلحة التغلغل وبسط النفوذ، والمقدمة الموطئة للاحتلال الفكري والثقافي والاجتماعي.
الجامعة الأمريكية قد نشأت أصلاً لتكون هيئة تنصيرية ذات غطاء تعليمي، وبالتوازي مع الهدف الرئيس أخذت الجامعة في التركيز علي إعداد جيل من النخب الشابة، والذين سيقودون البلاد فيما بعد، بحيث تكون ثقافتهم وطريقة تفكيرهم أمريكية صرفة، وبالتالي يواصل الأمريكان احتلالهم للبلاد، ولكن بتكلفة زهيدة، احتلال بالوكالة عن طريق النخب الحاكمة في البلاد المسلمة، وقد آتت تلك الأفكار والسياسات أكلها في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت انطلاق هذه الفكرة الاستعمارية الماكرة، في القاهرة وبيروت، فمعظم الساسة الذين لعبوا أدوارًا حاسمة في الشرق الأوسط من خريجي هذه الجامعة، أما على المستوى العلمي والأكاديمي فالجامعة الأمريكية لم تفد المجتمعات العربية والإسلامية في شيء يذكر، فعلى الرغم من مرور قرابة المائة عام على إنشاء الجامعة في القاهرة وبيروت إلا أنها لم تقدم عالمًا واحدًا في المجالات العلمية المتخصصة، ولم تقدم معاملها اختراعًا مفيدًا أو اكتشافًا مسهمًا، وغاية الجهد البحثي لهذه الجامعة منصب على الغرض الاستعماري التي نشأت الجامعة من أجله في الأساس، فالجامعة الأعرق في المنطقة لا يوجد بها حتى كتابة هذه السطور سوى مركزين للبحوث، مركز البحوث الاجتماعية الذي أنشأ سنة 1951، ومركز بحوث الصحراء، أما الأنشطة الأخرى للجامعة فهي تصب مباشرة في خانة العمل التنصيري، فهي تمد يد العون والمساعدات الطبية والمادية لأفقر أحياء القاهرة، وتقيم مشروعات مريبة في المناطق التي يسود فيها الجهل والفقر والمرض مثل منشية ناصر والدويقة، وربما لعبت هذه الجامعة دورًا استخباراتيًّا، كما كشفت بعض الوثائق السرية المسربة سنة 2010 من البنتاجون ووزارة الدفاع والمالية الأمريكية عن صفقة مخابراتية بين البنتاجون والجامعة الأمريكية لعمل أبحاث معلوماتية حساسة عن المجتمع المصري، تحت غطاء البحث العلمي.
أما في أفغانستان، فقد تأسست الجامعة الأمريكية في كابول في عام 2004، من قبل كبار رجال الأعمال وأعيان وعلمانيين أفغان، وتشترك مع المؤسسات التعليمية في المرحلة الجامعية، الدراسات العليا ومناهج التنمية المهنية، الجامعة تجذب الطلبة من البشتون والهزارة والأوزبك والطاجيك والتركمان وغيرهم الكثير، مما يهيئ البيئة لقبول أفكار التعايش والسلام بالمفهوم الأمريكي بين جميع شرائح المجتمع الأفغاني، في مايو 2011 تخرجت أول دفعة من الجامعة، وعددها 32 طالبًا: 9 نساء و23 رجلاً، مع منحتين دراسيتين بأمريكا، وفي عام 2012، تخرج 52، مع 6 منح دراسية، والجدير بالذكر أن إقبال النساء على الجامعة أكبر من الذكور بنسبة 25%.
بالطبع الأمريكان لا يرغبون في تطوير أفغانستان ولا مدينتها، بقدر ما يريدون تخريج جيل أفغاني جديد قادر على ضبط البلاد القلقة، ويغير من تركيبتها ويسلخها عن هويتها وقوميتها، بالصورة التي تتماشى مع المصالح الأمريكية في المنطقة، جيل يجمع بين الجنسية الأفغانية والعقلية الأمريكية، لونه ولسانه أفغاني، وتفكيره وقراره ومنهجه أمريكاني، وبالتالي فإن أمريكا في حاجة لتعديل خططها الرامية لسحب آخر جندي أمريكي كما هو معد سلفًا في 2014 المقبل، والهدف المعلن لهذه الجامعة كما قالها صراحة "كريس تايلور" هو: الالتزام بإعداد جيل جديد من القادة الأفغان الذين سيدفعون بأفكار جديدة، لمكافحة التطرف، ورفض الفساد، وتبني المساواة بين الرجل والمرأة، وإقامة علاقات إقليمية على المدى الطويل، وإسماع صوت الشباب الأفغان، الذين هم مستقبل بلادهم، وبناء مجتمع معتدل وحر. وهو المجتمع المثالي المتوافق مع المصالح والمخططات الأمريكية.
والنظرة التنصيرية القديمة للمنصر "القس زويمر": إن الشجرة لابد أن يقطعها أحد أغصانها، ما زالت تحكم العقلية الغربية، ففي جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، شهد الجنرال "جون ألين" قائد المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) أنه على مر التاريخ نادرًا ما تم هزم التمرد من قبل القوات الأجنبية، وعلى العكس من ذلك، فقد تعرضوا للهزيمة من قوات محلية. يعني أن المقاومة والتي وصفها بالتمرد، لن تغلب إلا على أيدي محلية من نفس أبناء البلد المحتل، أي سياسة القتال بالوكالة، واصطناع العملاء، ورعاية الغصن الذي سيقطع الشجرة؛ فهل سيحقق الأمريكان نفس النجاح الذي حققوه بجامعتهم المشئومة من قبل في الشرق الأوسط، أم ستتحطم أحلامهم ومخططاتهم على صلابة شعب لا يعرف اليأس أبدًا؟