صفوان الخزرجي

العودة   طريق الخلاص > إسلاميات > هدي الإسلام

هدي الإسلام معلومات ومواضيع إسلامية مفيدة

معركة بلاط الشهداء

بسم الله الرحمن الرحيم الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد إن الحمد لله... إن أول واضع لخطة الفتوحات الإسلامية في أوربا هو الخليفة الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-11-2013 ~ 07:30 PM
نور الإسلام غير متواجد حالياً
افتراضي معركة بلاط الشهداء
  مشاركة رقم 1
 
الصورة الرمزية نور الإسلام
 
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012


بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد

إن الحمد لله...
إن أول واضع لخطة الفتوحات الإسلامية في أوربا هو الخليفة الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، إذ ندب عبد الله بن سعد بن أبي سرح لفتح بلاد شمال أفريقيا، ووافته البشائر بفوز جيوشه على النصارى، فندب عبد الله بن عبد القيس وعبد الله بن نافع وكانا على الأسطول، فأمرهما بالمسير إلى الأندلس، وكتب لهما في ذلك تلك الوصية الرائعة التي يقول فيها: "إن القسطنطينية تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن فتحتم ما أنتم بسبيله تكونوا شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر". وقد اتخذ ولاة شمال أفريقيا وقواد أجنادها هذه الوصية نبراساً لسياستهم الإسلامية التي يسيرون عليها، فهي تعني حصار القسطنطينية من البر الأوربي، وتفيد في إضعاف المدد الممكن للقسطنطينية عند حصارها.
وأول أمير شرع في إعداد الوسائل والمعدات لتنفيذ تلك الوصية، الأمير حسان بن النعمان، وذلك بعد أن دان له شمال أفريقيا بالطاعة، فقد أنشأ في تونس دار الصناعة لبناء السفن والأساطيل وصُنع الأسلحة، وجلب لها الصنّاع من سكان مصر، وسار على منهاجه موسى بن نصير.
وكان بعدها أن اجتاز طارق بن زياد بتكليف من ابن نصير بجيوشه إلى الأندلس، حيث فتحها الله له، ووصل المسلمون إلى حدود فرنسا، ثم عبروا الحدود فاتحين، وجرت هناك معارك كثيرة، كان أهمها: "معركة بلاط الشهداء".
ولعل التاريخ الإسلامي كله لم يقدم إلينا حادثاً جللاً، كان له من الخطورة والأهمية وبُعد الأثر، ما كان لموقعة بلاط الشهداء، فلو لم يُردّ المسلمون في سهل "تور" لَمَا كانت ثمة أوربا نصرانية، بل لعله ما بقيت نصرانية على الإطلاق، ولكان الإسلام يسود أوربا، ولحكمة أرادها الله -عز وجل- كُسر المسلمون في هذه المعركة، وتوقف المد الإسلامي ولم يدخل أوربا، ولكن هل بلاط الشهداء نصر أم هزيمة؟.. هذا ما سنعرفه في ثنايا هذه المحاضرة!.

بطل معركة بلاط الشهداء القائد الشجاع والمحنك العجيب عبد الرحمن الغافقي -رحمه الله-، فمن هو هذا البطل؟.
إنه أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله بن بشر بن الصارم الغافقي، -نسبة إلى غافق، وهي قبيلة من الأزد من اليمن-، تابعي من أفذاذ الرجال، جمع إلى الشجاعة والإقدام العدل في الأحكام، والسهر على مصالح العباد، وبعد النظر في السياسة، قائد رشحه إيمانه وإمكاناته القيادية وعبقريته الحربية للقيادة، ولكن الظروف لم تتكافأ مع عبقريته العسكرية، و{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}
[(4) سورة الروم].
أخباره قليلة جداً، لا تتناسب مع الدور الكبير الذي قام به في تاريخنا الإسلامي، ويبدو أن كارثة بلاط الشهداء، التي ختمت حياة الغافقي، كانت أليمة الوقع عند مؤرخينا، فأوجزوا الكلام عنها قدر الطاقة، وأصاب الإيجاز سيرة عبد الرحمن، فتعمدوا الاكتفاء بمجرد الإشارة إليه، مع عظيم تقديرهم له.
رحل إلى أفريقيا، ثم وفد على سليمان بن عبد الملك بدمشق، وعاد إلى المغرب، فاتصل بموسى بن نصير وولده عبد العزيز، أيام إقامتهما في الأندلس، ظهرت براعته في إنقاذ الجيش الإسلامي من المطاردة عقب مقتل السمح بن مالك الخولاني في "طولوشة"، وتولى على إثر معركة "طولوشة" سنة: 102هـ، فانتقل إلى "أربونة"، فانتخبه المسلمون أميراً عليها، وأقره عامل أفريقيا، ولما نشأ خلاف بينه وبين عنبسة بن سحيم، عَزل عبد الرحمن وولي عنبسة مكانه، فصبر عبد الرحمن مدة يغزو مع الغزاة، إلى أن ولاّه هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس سنة: 112هـ، فطاف أقاليم الأندلس، ينظر في مظالم الناس، ويقتص من القوي للضعيف، ويعزل الولاة الذين حادوا عن جادة الاستقامة، ويستبدل بهم ولاة معروفين بالعدل والنـزاهة، متأهباً لفتح بلاد الغال أو غاليا، والتي عرفت عند المسلمين باسم: "الأرض الكبيرة"، وهي فرنسا حالياً.
دعا عبد الرحمن المسلمين من اليمن والشام ومصر وأفريقيا إلى مناصرته، فأقبلت عليه الجموع المؤمنة المجاهدة، فازدحمت بهم قرطبة قاعدة الأندلس.
جمع القلوب وساد الوئام في جيشه، واستقبلت الأندلس عهداً جديداً بعد فتن، فقد كان عادلاً حليماً نقياً، رحب به جميع سكان الأندلس، كان حاكماً بارعاً ظهرت مواهبه الحربية في الغزوات، حكيماً قديراً في شؤون الحكم والإدارة، مصلحاً مستنيراً، يضطرم رغبة في الإصلاح، بل كان بلا ريب أعظم ولاة الأندلس وأقدرهم جميعاً.
رحبت الأندلس قاطبة بتعيين عبد الرحمن والياً عليها، وأحبه الجند لعدله ورفقه ولينه، وكان يمرن المجاهدين على استعمال السلاح، ويثير فيهم نخوة القتال، وجمعت هيبته كل القبائل؛ لأنه كان سليماً من النـزعة العصبية التي ابتلي بها غيره، ومن دلائل ذلك، أن عبيدة بن عبد الرحمن القيسي عامل أفريقيا المتعصب لقيسيته، أقامه على الأندلس وهو يمني من غافق، لذلك ساد الوئام في الإدارة والجيش، وعني بإصلاح الجيش، وتنظيمه عناية خاصة، فحشد الصفوف من مختلف الولايات، وأنشأ فرقاً جديدة مختارة من فرسان البربر بإشراف نخبة مؤمنة من الضباط العرب، وحصّن القواعد والثغور الشمالية.

وصف الحميدي عبد الرحمن بالصلاح، والسيرة الحميدة والعدل وحبه الشديد للجهاد في سبيل الله، وتحدثت المصادر الأوربية النصرانية عن شجاعته النادرة، ومقدرته الحربية العظيمة.
رضي الله عن عبد الرحمن وأرضاه، لئن كان عنبسة من طراز عقبة بن نافع، تستهويه الغارات البعيدة المدى والضربات المدوية، فإن عبد الرحمن من طراز حسان بن النعمان وطارق بن زياد، من طراز الفاتحين الذين يرسمون خطة الفتح الثابت المستقر، فيعمدون إلى مراكز المقاومة الفعلية ويهاجمونها لكي يتم الفتح، وتدخل البلاد في حوزة الإسلام.
فتح المسلمون الأندلس فتح استقرار وإقامة، فطبعت معالمها بالحضارة الإسلامية، وفكَّر موسى بن نصير في عبور جبال البرانس، لبسط السيادة الإسلامية على فرنسا، ومن ثمَّ الاتجاه شرقاً لفتح القسطنطينية معقل النصارى، ولكن الخليفة الوليد بن عبد الملك خشي من هذه المغامرة، إذ لم يحدث تاريخياً، أن جيشاً قد اخترق أوربا من الأندلس حتى شواطئ البحر الأسود دفعة واحدة، فاستدعى الوليد موسى وطارقاً.
ولما كانت ولاية السمح بن مالك الخولاني عام: 100هـ، الذي يشبَّه بعمر بن عبد العزيز في إسلامه وتقواه وخلقه، والذي وصفه ابن الأثير بأنه من أفاضل عرب أفريقيا ومن خيرة الولاة الذين تولوا أمر الأندلس، وأعاد الحماس إلى الجند الإسلامي لمعاودة الغزو في فرنسا، فنقل مركز الخلافة إلى قرطبة، لإعادة التنظيم الإداري، ولتأمين الجبهة الداخلية استعداداً للفتح خلف جبال البرانس.
سار السمح إلى أرض فرنسا، واتخذ "أربونة" قاعدة لعملياته الحربية في فرنسا، فأعاد ترميم الحصون، ودعَّمها بجند مسلمين، وتتبَّع مجرى نهر "الجارون"، واتجه غرباً حتى وصل "طولوشة" التي قاومت حتى وصلتها الإمدادات، وأخذ السمح يشد من أزر جنده المسلمين ويتلو عليهم بروح مؤمنة مستنيرة صادقة قوله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ} [(160) سورة آل عمران]، ولكن السمح أصيب بطعنة عميقة بالغة في المعركة التي دارت على أسوار "طولوشة" عام: 102هـ ففتّ ذلك من عضد الجند المسلمين، فارتدوا جنوباً، وهذه تعتبر أول نكسة للمسلمين في أرض فرنسا، وسقط السمح شهيداً، وانسحب المسلمون بعد أن فقدوا قائدهم المغوار البطل، وكان عبد الرحمن الغافقي أحد جنود السمح في هذه المعركة، فأجمع الجيش المسلم على اختياره للقيادة، ورأى من الحنكة أن يرجع إلى الجنوب، ولكن حزنه الأليم على مصرع السمح، واستشهاد رفاقه جعله يفكر جدياً في الانتقام لمصارع الأبطال، واستئناف الغزو والهجوم، وكانت تلك ولاية عبد الرحمن الأولى، التي لم تدم إلاّ بضعة أشهر.
عين عامل إفريقيا يزيد بن أبي مسلم، عنبسة بن سحيم الكلبي عام: 103هـ أميراً على الأندلس، فقضى عنبسة السنوات الأربع الأولى من إمارته في تنظيم أمور الأندلس، وتهدئتها وإنهاء الخلافات العصبية، ثم واصل حروبه في فرنسا، وسار على الساحل حتى وصل نهر "الرون"، وفي وادي الرون فتح مدناً كثيرة.
اكتسح المسلمون بقيادة عنبسة حوض "الرون"، بزحف ظافر علّق عليه مؤرخون معاصرون له، بأن الله قذف في قلوب الكفار الرعب، فلم يتصدَّ أحد منهم للمسلمين إلا لطلب الأمان، وفتح المسلمون المناطق الفرنسية الجنوبية والشرقية، ولم يجدوا مقاومة إلا في مدينة "سانس" الواقعة على بعد ثلاثين كيلو متراً فقط جنوبي "باريس"، وفيها تصدى أسقف المدينة للزحف الإسلامي، وكان قد استعد له من قبل، فحصن المدينة وحشد مواطنيه، فهبوا معه لحماية مدينتهم، ونجحوا في إيقاف الزحف الإسلامي.

أدرك عنبسة بعد هذا الزحف المظفر، -الذي أوصله إلى ضواحي باريس-، أنه توغل أكثر مما ينبغي، فخشي أن يقطع العدو خطوط تموينه أو طريق عودته، وبخاصة أنه سمع بانبعاث العصبية في الأندلس من جديد، ووقع خلاف فيما بين العرب والبربر، وهذا الذي شعر به عنبسة، كان حدساً صحيحاً، فبينما كان في طريق عودته داهمته جموع كبيرة من النصارى، فالتحم معهم، وأصيب بجراح بالغة في شعبان سنة: 107هـ، استشهد على إثرها، فعادت بقية الجيش بقيادة عذرة بن عبد الله الفهري إلى "أربونة".
وينبغي أن نلاحظ أن حملة عنبسة لم تكن في الحقيقة غير غارة بعيدة المدى ولو كان عنبسة على نية الفتح الثابت، لأتم الاستيلاء على ما غلب عليه من المدائن، ولأقام الحاميات في بعضها على عادة المسلمين في فتوحهم.
ومهما يكن من الأمر فإن عنبسة بن سحيم الكلبي ينفرد بين الفاتحين المسلمين بهذا الفخر، فخر الوصول برايات الإسلام إلى قلب أوربا الغربية ولم يدرك هذا الشأو بعد ذلك فاتح مسلم آخر.

استعد الغافقي استعداداً كبيراً لغزو فرنسا، وأعلن الدعوة للجهاد في سبيل الله، وأعلن هذه الدعوة في أفريقيا كما أعلنها في الأندلس، فتدفق عليه المتطوعون من كل ناحية، وتجمع لديه عدد ضخم من المجاهدين، بلغ ما بين سبعين إلى مائة ألف مجاهد، وبدأ تحركه في أوائل سنة: 114هـ.
جمع عبد الرحمن الغافقي المجاهدين وخرج باحتفال مهيب ليعبر جبال البرانس واتجه شرقاً ليضلل النصارى عن وجهته الحقيقية، فأخضع مدينة "أرل" التي خرجت عن طاعة المسلمين، ثم اتجه إلى "دوقية"، فانتصر على الدوق انتصاراً حاسماً، ومضى الغافقي في طريقه متتبعاً مجرى نهر "الجارون" ففتح "بردال" واندفع شمالاً ووصل إلى مدينة "بواتييه".
اهتزَّت أوربا من أقصاها إلى أقصاها لِسُقُوط نصف فرنسا الجنوبي كله في يدي عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر، وفتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم، ودبَّ الصريخ في كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف في وجه هذا الهوْل القادم من الشَّرق ويَحُضُّهُمْ على التَّصَدِّي له بالصدور إذا عزَّت السيوف، ويدعوهم إلى سدِّ الطريق أمامه بالأجساد إذا انعدم العَتَاد، فاستجابت أوربا لدعوة الدَّاعي وأقبل الناس ومعهم الشَّجر والحَجَر والشَّوك والسِّلاح.
أصبح عجز الدوق واضحاً في مواجهة المسلمين، فاستصرخوا "شارل مارتل"، فلبى شارل النداء، وكان قبلها لا يحفل بحركات المسلمين في جنوب فرنسا بسبب الخلاف الذي بينه وبين الدوق الذي كان سببه طمع شارل بالدوقية، وبذلك توحدت قوى النصرانية للوقوف في وجه المسلمين، ورحب شارل بالفرصة ليبسط نفوذه على بلاد الدوق وأراضيها الواسعة، بعد أن شعر بالخطر الإسلامي.
اجتمع النصارى إلى "شارل مارتل"، وقالوا له: ما هذا الخزي الباقي في الأعقاب؟! كنا نسمع بالمسلمين ونخافهم من مطلع الشمس حتى أتوا مغربها، واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد، بجمعهم القليل وقلة عدتهم، وكونهم لا دروع لهم.
فأجابهم: "الرأي عندي ألاّ تعترضوهم في خرجتهم هذه، فإنهم كالسيل يحمل ما يصادفه وهم في إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم، ويتخذوا المساكن، ويتنافسوا في الرئاسة، ويستعين بعضهم على بعض، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر".
قال المقري -رحمه الله-: فكان والله كذلك، بالفتنة التي طرأت بين الشاميين والذين جاؤوا من الحجاز، والبربر والعرب، والمضريَّة واليمنية وصار بعض المسلمين يستعين على بعض بمن يجاورهم من الأعداء!!.

وقد أدرك الغافقي هذه القضية وصارت تشغل فكره، وخاف من لهو جنده بالغنائم الكثيرة التي حصلوا عليها في معاركهم الأولى وكانوا يجرونها في أثناء زحفهم، وفكر جدياً في حملهم على تركها في أرضها لئلا تشغلهم عن القتال فتكون وبالاً عليهم، لكنه لم يشأ وهو في مأزق كذلك المأزق أن يغيظهم ويخسر بذلك توحد قلوبهم، وبقي واثقاً بشجاعتهم في القتال.
والحق أنه عندما وقف المسلمون في وجه النصارى، لم يكن سكان أوربا يتمنون خسارة المسلمين وهزيمتهم، لقد تمنى قسم كبير من سكان فرنسا انتصار المسلمين، بعدما سمعوا بتحسن حال الأسبان بعد دخولهم في حوزة المسلمين الفاتحين، حيث انتقلوا من الرق والضرائب المالية الباهظة إلى الحرية والعدالة والطمأنينة على أرواحهم وأموالهم.
كان عدد جيش النصارى أكبر من جيش المسلمين، فبينما كان النصارى سيلاً من الجند المتدفق، لم يكن الجيش المسلم يزيد على سبعين ألف مسلم في أصح الروايات، وقد يصل إلى مائة ألف في روايات أخرى، كان جُلّهم من البربر؛ لأن كثيرين من عرب أفريقيا والأندلس كانوا إذ ذاك في شغل بما انصرفوا إليه من المنازعات العصبية من ناحية، ومن الاستقرار في القرى والاشتغال بالزرع من ناحية أخرى، وهذا لا يعني عدم وجود أعداد من العرب مع الغافقي، فقد كان معه معظم اليمنيين؛ لأنه يمني، ولأن غالبية سكان نواحي إقليم "سرقسطة" كانوا من اليمن، ومنهم كانت غالبية العرب المحاربين في ناحية جبال البرانس وما يليها.
وكان موقف النصارى الاستراتيجي أيضاً أجود وأفضل، وبخاصة معرفتهم للمواقع، وألفتهم للتحرك فيها، ومعرفة دروب المنطقة، مع قدرة على القتال في جو شاتٍ مطير، تعودته جسومهم، وأرض موحلة ألفتها خيولهم.
وكذلك كان مدد النصارى البشري والتمويني قريباً، بينما المسلمون على بعد يجاوز ألف كيلومتر عن عاصمة الأندلس، كما أنهم بعيدون مسافات شاسعة جداً عن مركز الدولة الأموية، ويكفي أن يتصور الإنسان المسافة بين دمشق وجبل طارق وجبال البرانس، ليعلم أن الجيوش الإسلامية المحاربة في نواحي فرنسا كانت تقوم في الواقع بمغامرة أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ.

ولا ننسى الغنائم التي حملها الجيش الإسلامي: فالمسلمون حملوا الغنائم التي أخذوها من أيدي عدوهم، ولو أحسنوا لبعثوا نفراً منهم ليودعها "أربونة" أو "برشلونة" حتى يطمئنوا عليها، وتخلو أيديهم للعمل المقبل، وينتهي اشتغال فكرهم بها، ولكنهم حرصوا عليها أكثر من حرصهم على النصر، وانقلبت الغنائم إلى ثقل يرهقهم، أضعف حركتهم، فكانت الغنائم سبب هزيمتهم كما سيأتي.
انزعجت أوربا انزعاجاً صارخاً لتقدم الجيوش الإسلامية، وفزع زعماؤهم، فأرسلوا صيحاتهم الصليبية في آفاق أوربا، وبذلوا أقصى ما يقدرون عليه لإشعال نار الكراهية للإسلام، وتأكيد العداوة لرجاله، وكان ملك النصارى ضعيفاً عاجزاً، بينما يتولى حاجب القصر "شارل مارتل" قيادة أموره، فتجمع حوله الصليبيون، وقدموه قائداً للنصرانية.
ولما بلغ "شارل مارتل" نبأ قدوم الجيش الإسلامي اتخذ الأهبة، وأسرع للقاء المسلمين بنفس مشرئبة للظفر وجنود متطلعة للقتال، ولم يكتف بما لديه من النصارى في فرنسا، بل بعث يستقدم جنداً من حدود "الراين"، فأتته نجدات من جنود أجلاف أقوياء، يحاربون شبه عراة في مثل هذا الجو البارد، يلبسون جلود الذئاب والنمور، وتنسدل شعورهم الجعدة فوق أكتافهم العارية، يرسمون للوحشية البدائية صوراً مزعجة حمراء.
لقد اجتمع لشارل مارتل بذلك جيش كثيف، قادر على الثبات والمنازلة ضاقت بجموعه الكثيفة سهول فرنسا، فتقدم إلى شمال "بواتييه" في اتجاه "تور"، وفي "تور" التقى جيشان يختلفان عَدَداً وعُدَدَاً ولغةً وديناً وهدفاً وحضارةً.
أصح الأقوال أن المعركة كانت في منطقة تسمى "بواتييه" وتسمى المعركة بلاط الشهداء، وبلاط تعني "القصر"، فبلاط الشهداء معناها: "قصر الشهداء"، مما يفيد أن مكان الموقعة كان بجوار قصر أو حصن كبير، ربما كانت له علاقة كبيرة بحوادث المعركة.

وقلما ذكر التاريخ معركة لها ما بعدها مثل هذه المعركة، فكان النصارى من جهة يذبون عن ديانتهم وأوضاعهم وأملاكهم وأنفسهم، وكان المسلمون -من جهة ثانية- على اعتقاد راسخ أنهم يقاتلون في سبيل الله، لنشر عقيدة التوحيد لتعم رسالتها أوربا كلها.
التقى الجمعان في أواخر شعبان سنة: 114هـ، رابط كل منهما أمام الآخر مدة ثمانية أيام، وكان المسلمون هم الذين بدؤوا القتال، وكان النصارى قادمين من حروب ابتسم لهم فيها النصر، فكانت حماستهم تغلي مراجلها، ويزيد فيهم وجود "شارل مارتل"، الذي كلما ظهرت ثلمة اندفع وسدها بنفسه حماسة وعزيمة.
هاجم المسلمون بخفة حركاتهم على سروات الخيل هجمات شديدة في بداية الأمر، حاولوا بها خرق صفوف النصارى، غير أنهم كانوا يجدون أمامهم صفوفاً أشبه بالجدران في ثباتها، فكانت تتكسر عليها حملات المسلمين.
استمر القتال أول يوم طول النهار، ولم يحجز بين المسلمين والنصارى سوى الظلام، وفي اليوم التالي تجدد القتال، ورخصت النفوس في سوق المنايا، وحمل المسلمون حملات مستميتة، إذ لم يكونوا ينتظرون من النصارى مثل هذا الثبات، ولكنهم لم ينالوا منهم وطراً، وبينما كانوا يضاعفون حملاتهم، إذ أغارت فرقة من النصارى على معسكر المسلمين، الذي فيه متاعهم، فاخترقت صفوف المسلمين في موضع، وأفضت إلى خلف الصفوف حيث كان المسلمون قد أودعوا غنائمهم، وكانت شيئاً عظيماً جداً، فريع الجند الإسلامي المحارب، وخشي الكثيرون من أفراده أن يستولي عليها النصارى، فالتفت بعضهم وعادوا إلى الخلف ليبعدوا الأعداء عنها، وهنا اضطربت صفوف المسلمين، واتسعت الثغرة التي نفذ منها النصارى، فاندفعوا فيها في عنف وقوة زلزلت نظام القوات الإسلامية، وحاول عبد الرحمن الغافقي جهده أن يثبّت جنده ويعيد نظامه أو يصرفه عن الهلع على الغنائم فلم يوفق، وأصابه سهم أودى بحياته، وكان ذلك نذير شؤم على جيش المسلمين، وصبر المسلمون حتى أقبل الليل، فانتهزوا فرصة الظلام، وتسللوا متراجعين إلى الجنوب على عجل وكان ذلك في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ.

وحينما أسفر الصبح نهض النصارى، فلم يجدوا من المسلمين أحداً، فتقدموا على حذر من مضارب المسلمين، فإذا هي خالية منهم وقد فاضت بالغنائم والأسلاب والخيرات، فظنوا أن في الأمر خدعة، وتريثوا قبل أن يجتاحوا المعسكر وينتهبوا ما فيه، ولم يفكر أحد منهم في تتبع المسلمين، إما لأنهم خافوا أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم بهذا الانسحاب شركاً، أو لأن "شارل مارتل" تبين ما نزل بالمسلمين، فرأى أنه يستطيع العودة إلى الشمال مطمئناً إلى أنهم انصرفوا عنه وعن بلاده.
اندفع المسلمون في تراجعهم نحو الجنوب مسرعين، واتجهت جموعهم نحو "أربونة" وحينما أحسوا ألا أحد من النصارى يتتبعهم تمهلوا في سيرهم ليستجمعوا صفوفهم من جديد بعد أن انتهت معركة بلاط الشهداء.
وتعتبر معركة بلاط الشهداء معركة فاصلة في تاريخ العالم، فقد ترتب عليها تغير مجرى التاريخ إلى حد كبير، فلو انتصر المسلمون في بلاط الشهداء، لاكتسح الإسلام أوربا كلها، وما بقيت نصرانية على وجه الأرض، ولتُلي القرآن وفُسِّر في "اكسفورد" و"كمبردج"، ولو انتصر المسلمون لتخلَّصت أوربا من ظلماتها وجهالتها واستبدادها وحطَّمت الاستغلال والاضطهاد، كما كانت ستتخلَّص من عار محاكم التفتيش السوداء فيما بعد.
بالغ النصارى الأوربيون في تقدير عدد القتلى من المسلمين حتى أوصلهم بعضهم إلى 375 ألفاً، وهذا بطبيعة الحال غير معقول، فليس من اليسير وقتذاك حشد مثل هذا العدد أو ما يقاربه، على كثرة الحروب في ذلك الوقت، فضلاً عن صعوبة التموين والمواصلات.
وبعد بلاط الشهداء لم يفقد المسلمون جميع ما كان تحت أيديهم في فرنسا بل ظلت لهم "أربونة" وما حولها، على أن الذي لا ريب فيه أن غزوة الغافقي هذه كانت آخر محاولة جدية قام بها المسلمون لغزو بلاد النصارى.
والحق أن انهزام المسلمين في بلاط الشهداء لم يكن هو الذي أوقف تقدمهم؛ لأنهم كانوا إذ ذاك قوماً مجاهدين، الموت أحب إليهم من الحياة وكانت الهزائم لا تعني في حسابهم شيئاً، وقد رأيناهم ينهزمون المرة تلو المرة في شمال أفريقيا أيام عقبة بن نافع فلم يمنعهم ذلك من العودة والإصرار على الفتح، إنما الذي أوقف تقدم المسلمين هم المسلمون أنفسهم، بما شجر بينهم من فتن العصبية، وما صرفهم عن مواصلة الفتوح من أحقاد النفوذ، وتفاهة النظرة الجاهلية إلى الحياة!.

لو انتصر المسلمون في بلاط الشهداء، لدخلوها فاتحين منظمين، يريدون إدخالها في رحاب دولتهم وتحويلها إلى الإسلام، ولو استقر لهم الأمر في فرنسا لاتجه نظرهم إلى ما وراءها، ومن هنا كانت أهمية "بلاط الشهداء" في تاريخ النصرانية، فقد حالت بينها وبين الزوال حقاً.
ولا يمكن القول بأن المسلمين لو كانوا انتصروا في "بلاط الشهداء" وأقاموا حكم الإسلام هناك لما منع ذلك النصرانية من أن تعود كما عادت في الأندلس؛ لأن الذي أعاد النصرانية في الأندلس، إنما هو عجز المسلمين عن فتح فرنسا.
في "بلاط الشهداء" لم يُسْحَق الجيش الإسلامي بالمعنى المفهوم للهزيمة الساحقة، ولكنه كان ارتداداً، بل انسحاباً منظماً من تلقاء نفسه، فقد لبث يقاتل طوال المعركة الفاصلة حتى المساء، محتفظاً بمراكزه أمام العدو ولم يرتد أثناء القتال، والدليل على هذا القول، رهبة النصارى من مطاردة المسلمين، وحذرهم من اللحاق بهم عقب "بلاط الشهداء"، وتوجسهم من كون انسحاب المسلمين خديعة حربية، وخطّة مبيَّتة، ولو أن الجيش الإسلامي انتهى تماماً كما تصوره الرواية النصرانية الكنسية لبادر النصارى إلى مطاردته والإجهاز عليه، ولكنه كان ما يزال من القوة والكثرة إلى حد يخيف العدو ويرده.
إن أفدح خسارة في بلاط الشهداء كان استشهاد الغافقي -رحمه الله-؛ لأنه الرجل الوحيد الذي استطاع بهيبته وقوة إيمانه وشخصيته الملتزمة بإسلامه الصافي أن يجمع الإسلام في الأندلس، فكان مقتله في هذا المأزق العصيب، ضربة شديدة لمُثل الإسلام، ولمشاريع الخلافة في افتتاح أوربا.
استشهد الغافقي في "بلاط الشهداء" فكان الانسحاب الإسلامي، استشهد وهو يحاول رأب الصفوف التي تصدَّعت عندما هاجم النصارى الغنائم التي كانت مكدَّسة خلف الصفوف، ومع هذا كله، فإن على ذاكرة التاريخ أن لا تنسى أولئك الذين بذلوا وأظهروا كل ضروب الفداء والتضحية والصدق والإخلاص والبسالة والشجاعة، ولكنهم أصبحوا قادة بلا جنود فهُزموا، أو جنوداً بلا قائد فآثروا الرجوع.
وفي أغلب الأحيان، فإن ذاكرة التاريخ تذكر بالفخر والإعجاب الأبطال الذين صنعوا الانتصارات، وتجعلهم في مركز الصدارة، ولذا فهي تخلِّد الغافقي بطلاً عظيماً، وإن لم يكن قد حقق النصر في بلاط الشهداء، وذلك؛ لما أبداه من الطموح والصدق في نشر الدعوة الإسلامية، مع ثقته بنفسه وجيشه، وحزمه في أموره، ولكنه استشهد في المعركة الفاصلة وأصبح الجند بلا قائد، ولو أنه انتصر في بلاط الشهداء لعمّت شهرته الخافقين، ولأصبحت الدنيا منذ ذلك الحين مسلمة، ويكفي الغافقي فخراً أنه بالإسلام، وبالإسلام وحده، أوصل جيوش المسلمين إلى ضواحي باريس ويكفي الإسلام فخراً، أنه أوصل جيوش المسلمين إلى قلب فرنسا، فلولا الإسلام لبقيت قبائل العرب في جزيرتها، ولا ندري إلى متى! تحت وصاية الفرس والرومان.
والحقيقة التي لا جدال فيها أنه في سهول "بلاط الشهداء" فَقَدَ المسلمون سيادة العالم بأسره، وتغيَّرت مصاير العالم القديم كله، وارتد تيار الفتح الإسلامي أمام الأمم الشمالية، كما ارتد قبل ذلك بأعوام أمام أسوار القسطنطينية، وأخفقت بذلك آخر محاولة بذلتها الخلافة لافتتاح أمم الغرب، وإخضاع أوربا لصولة الإسلام.
لأمر أراده الله، لم ينتصر المسلمون في "بلاط الشهداء"، إنها مشيئته -جل شأنه-، ليثبت للدنيا بأسرها أن الإسلام قوة ذاتية كامنة فيه، وسيعم نوره أوربا فيما بعد "بلاط الشهداء" بقرون، فها هو اليوم الدين الزاحف على عواصم الغرب في القرن العشرين، وبشائره تجعل النتائج المتوقعة محققة.

نجد المسلمين من أبناء أوربا دعاة إسلام، والمنارات تتعالى بـ "الله أكبر" في عواصم ومدن الغرب؛ ليشهد العالم أن الإسلام ينتشر بالسيف وبلا سيف؛ لأنه الأمل المنشود، فيه التوازن الرائع بين الدين والدنيا، والروح والمادة، والعقل والقلب.
ولو أردنا أن نلخص سبب هزيمة المسلمين في بلاط الشهداء في كلمتين:
فالأولى: العصبية القبلية: فبعد مقتل القائد عبد الرحمن الغافقي لم يتمكن المسلمون أن يتفقوا على قائد يكمل المعركة، واستمر المسلمون في القتال حتى فك الظلام بينهم وبين عدوهم، واجتمع كبار الشخصيات والأعيان ممن كانوا مع القائد الغافقي في خيمة من غروب الشمس إلى أن طلع الفجر، ولم يتفقوا -مع الأسف- على قائد واحد يلتف حوله المسلمون؛ ليكملوا المعركة ضد النصارى؛ بسبب العصبية فاتخذوا أخطر قرار وهو الانسحاب.
والسبب الثاني: الميل إلى الدنيا: فالغنائم التي غنموها قبل دخولهم هذه المعركة الفاصلة أتعبتهم فحفظوها في معسكر، وفي أثناء القتال احترق المعسكر فانصرف جزء من قلب الجيش ومن القادة إلى غنائمهم؛ لحفظها من الاحتراق فحصل خلل كبير في الجيش تمكن الغافقي -رحمه الله- بقدرته الباهرة وقيادته الخارقة أن يحفظ توازن الجيش وأن يغذي القلب من الأطراف وأن يستبدل القادة الذين انصرفوا دون إذنه بغيرهم، لكن مشيئة الله -جل وتعالى- فوق كل شيء، فإذا بسهم طائش يصيب الغافقي فيخر شهيداً في أرض المعركة في أصعب مراحلها.

كان الجيش الإسلامي يومئذ في ذروة انتصاراته الباهرة لكنَّ كاهله كان مُثقلاً بتلك الغنائم التي انْصبَّت عليه انصِبابَ الغيْث، وتكدَّست في أيدي جُنُوده تكدُّس السُّحب، وقد نظر عبد الرحمن الغافقي إلى هذه الثروة الطائلة الهائلة نظرة قلق وإشفاقٍ، وتوجَّس منها خيفةً على المسلمين، فقد كان لا يأمن أن تَشْغَلَ هذه النَّفائس قُلُوبَهم عند اللِّقاء، وأن توزِّع نفوسهم في لحظات البأس، وأن تجعل إحدى عيْني الواحد منهم على العدو المُقبل عليه وعيْنه الأخرى على الغنائم التي في يديه، ولقد همَّ بأن يأمر جُنُودَه بالتَّخلص من هذه الثروات الطائلة الهائلة، ولكنَّه خشي ألَّا تطيب قلوبهم بذلك القرار الخطير، وألَّا تسمح نُفُوسهم بالتَّخلي عن هذا الكنـز الثمين، فلم يجد وسيلة خيراً من أن تجمع هذه الغنائم في مخيمات خاصَّة وأن يجعلها وراء المُعسكر قبل إنشاب القتال لكن حصل بعده ما سمعتم.
تمثل هذه المعركة نهاية المد الإسلامي في تاريخ المسلمين -من جهة الغرب-، فلم يتقدم المسلمون خطوة بعد هذه المعركة، ولحكمة يعلمها -جل وتعالى- فلو قدر انتصار المسلمين في هذه المعركة، فسيدخل الإسلام أوربا بهذه المجموعة التي تفتك بها العصبية من جهة، وقلبها متعلق بالدنيا من جهة أخرى، فكانت مشيئة الله تعالى أن يتوقف المد الإسلامي عند هذه النقطة إلى أن يهيئ الله تعالى إسلاماً صافياً خالصاً نقياً يدخل أوربا، وسيدخلها تحقيقاً لا تعليقاً...
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً...
المصدر: طريق الخلاص


  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معركة القادسية نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 19-05-2013 07:21 AM
معركة القادسية نور الإسلام كتب ومراجع إسلامية 0 19-05-2013 07:21 AM


الساعة الآن 07:54 AM
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22