﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾
عمل الطالبة: ban0.o.0ta
صـــــــــــــــــــــف: 11/1
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من نعمة الله على أمتنا وتشريفه لنا أن جعلنا أمة وسطا خيارا عدولا فقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة:143].
ولأهمية الوسطية في ديننا الحنيف كتبت العديد من الكتب حول هذا الموضوع ومن بين هذه الكتب اخترت كتاب الوسطية في القرآن الكريم للدكتور علي الصلابي ليكون موضوع تقريري و يعد هذا الكتاب من الكتب المهمة في موضوعه ، نال به الشيخ درجة الماجستير من جامعة أم درمان في السودان ، وقيل له بأن الجهد فيه يعادل درجة دكتوراه ، وهو كتاب جامع في موضوعه أوصت الكثير من المؤسسات الإسلامية بطبعه ونشره ، ليعم الفكر الوسطي الرشيد ..
ويتحدث الكاتب في كتابه عن تعريف الوسطية لغة وإصطلاحاً وأسسها وملامحها في القرآن الكريم والعديد من المواضيع الأخرى.
تعريف الوسطية لغةً:
تدل كلمة وسط على معانٍ متقاربة كما يقول ابن فارس: (الواو والسين والطاء بناء صحيح يدل على: العدل، والنصف وأعدل الشيء أوسطه ووسطه...).
و تستعمل في معان عدة أخرى أهمها:
1- بمعنى الخيار والأفضل والعدل.
2- قد ترد لما بين شيئين فاضلين.
3- وتستعمل لما كان بين شيئين وهو خير.
4- وتستعمل لما كان بين الجيد والرديء، والخير والشر.
5- وقد تطلق على ما كان بين شيئين حسا، كوسط الطريق، ووسط العصا، وقد تأتي لمعان أخرى قريبة من هذه المعاني والمهم –هنا- متى يطلق لفظ (الوسطية) بل على ماذا يطلق هذا المصطلح؟ فهناك من جعل مصطلح الوسطية مرادفا للفظ الخيرية، ولو لم يكن بين شيئين حسا أو معنى.
تعريف الوسطية إصطلاحاً:
قال فريد عبد القادر: ومن جملة ما سبق بيانه نستطيع أن نستخلص تعريفا خاصا محدد للوسطية، فنقول: بأن الوسطية هي: مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة، والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم ثم قال: أما ما شاع عند الناس وانتشر من الوقوف عند أصل دلالتها اللغوية، أي التوسط بين طرفين، مهما كان موضوع هذا الوسط –الذي تم اختياره- من صراط الله المستقيم، التزاما وانحرافا، فليس بمفهوم صحيح وفق ما تبينه الآيات والأحاديث.
ويؤكد هذا المعني في محل آخر فيقول: ولا يلزم لكل ما يعتبر وسطا في الاصطلاح أن يكون له طرفان، فالعدل وسط ولا يقابله إلا الظلم، والصدق وسط ولا يقابله إلا الكذب.
وهناك من جعل (الوسطية) من التوسط بين الشيئين دون النظر إلى معنى الخيرية التي دل عليها الشرع.
وقد شاع كذلك عند كثير من الناس استعمال هذا الاصطلاح الرباني، استعمالا فضفاضا يلبس أي وضع أو عرف أو مسلك أرادوه، حتى أصبحت الوسطية في مفهومهم تعني التساهل والتنازل وبالطبع هذا مفهوم خاطئ للوسطية.
و المتأمل في ما ورد في القرآن والسنة والمأثور من كلام العرب فيما أطلق وأريد به مصطلح الوسطية يتضح له أن هذا المصطلح لا يصح إطلاقه إلا إذا توفرت فيه صفتان:
1- الخيرية: أو ما يدل عليها كالأفضل والأعدل أو العدل.
2- البينية: سواء أكانت حسية أو معنوية.
فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلا في مصطلح الوسطية، والقول بأن الوسطية ملازمة للخيرية –أي أن كل أمر يوصف بالخيرية فهو (وسط) – فيه نظر، والعكس هو الصحيح، فكل وسطية تلازمها الخيرية، فلا وسطية بدون خيرية، ولا عكس فلا بد مع الخيرية من البينة حتى تكون وسطا.
وكذلك البينية – أيضًا- فليس كل شيئين أو أشياء يعتبر وسيطا وإن كان وسطا، فقد يكون التوسط حسيا أو معنويا، ولا يلزم بالوسطية كوسط الزمان أو المكان أو الهيئية ونحو ذلك؛ ولكن كل أمر يوصف بالوسطية فلابد أن يكون بينيا حسا أو معنى.
ومن هنا نخلص إلى أن أي أمر اتصف بالخيرية والبينية جميعا فهو الذي يصح أن نطلق عليه وصف: الوسطية، وما عدا ذلك فلا، وإلى هذا الرأي ذهب الدكتور ناصر بن سليمان العمر في كتابه الوسطية في ضوء القرآن.
وإليك هذا المثال الذي يوضح هذا الرأي:
1- جاء وصف هذه الأمة بالوسطية في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143]، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه فسر الوسط بالعدل
وفي رواية: عدولاوالمعنى واحد.
2- وإذا نظرنا في تفسيرها بمعني العدل وجدناه يتضمن معنى الخيرية، والعدل كذلك يقابله الظلم، والظلم له طرفان، فإذا مال الحاكم إلى أحد الخصمين فقد ظلم، والعدل وسط بينهما، دون حيف إلى أي منهما.
أسس الوسطية
مما سبق اتضح لنا أن الوسطية لابد لها من توافر أمرين وهما: الخيرية والبينية، وإذا أردنا أن نعرف الوسطية على الوجه الدقيق، هناك أسس لا بد من بيانها، ليحدد معنى الوسطية.
وهذه الأسس هي:
1- الغلو أو الإفراط.
2- الجفاء أو التفريط.
3- الصراط المستقيم.
فالصراط المستقيم، وهو وسط بين الغلو والجفاء، أو الإفراط والتفريط، كما يمثل الخيرية ويحقق معناها وبذلك يتحقق في الصراط المستقيم أمران من لوازم الوسطية، وفي هذا الموضوع بدأ الكاتب ببيان هذه الأسس مبتدئا بالغلو والإفراط، ثم الجفاء والتفرتيط، ثم أوضح معنى وحقيقة الصراط المستقيم، وبضدها تتبين الأشياء، وركز على تحديد معنى هذه الأسس من خلال القرآن الكريم والسنة المبينة لذلك، ثم كلام المفسرين وغيرهم من العلماء.
وبإختصار فإن معنى كل من هذه الأسس هو:
الغلو :عرفه أهل اللغة بأنه مجاوزة الحد: ومثال عليه قصة الثلاثة الذين جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدًا، قال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"
الإفراط: تجاوز الحد، والتقدم عن القدر المطلوب وهو عكس التفريط
والذي يهمنا في ما سبق أن كلا من الغلو والإفراط خروج عن الوسطية، فكل أمر يستحق وصف الغلو أو الإفراط فليس من الوسطية في شيء
وبعد أن اتضح لنا معنى الغلو والإفراط، وما يدل عليه كل منهما، نقف الآن مع ما يقابلهما، وهو التفريط والجفاء،
والتفريط : يدل على على الترك والتهاون والتقصير والتضييع مع اختلاف بسيط بين مدلول هذه المعاني وكلها في مقابل الإفراط والغلو.
والجفاء: هو النبو والترك، والبعد، وهو غالبا ما يحدث خلاف الأصل والعادة، وأكثر ما تستعمل كلمة جفاء لما هو محرم منهي عنه كالجفاء بما يقابله الصلة والبر، والجفاء الذي هو من الشدة والغلظة.
وبهذا يتبين معنى التفريط والجفاء، وأن بينهما عموما وخصوصا وهما يقابلان معنى الغلو والإفراط.
وأن كل أمر اتصف بالتفريط أو بالجفاء فإنه يخالف الوسطية، وبمقدار اتصافه بأي من هذين الوصفين يكون بعده عن الوسطية وتجافيه عنها.
الصراط المستقيم
إننا بدون فهم معنى (الصراط المستقيم)، وتحديد مدلوله، لا نستطيع فهم الوسطية على معناها الصحيح، وقد ورد لفظ الصراط المستقيم، في القرآن الكريم عشرات المرات
وأجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، وذلك في لغة جميع العرب
و قال آخر: إن الصراط المستقيم أن تفعل في كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل، ولا تفعل ما نهيت عنه، وهذا يحتاج في وقت إلى أن تعلم ما أمر به في ذلك الوقت، وما نهي عنه، وإلى أن يحصل لك إرادة جازمة لفعل المأمور، وكراهة لترك المحظور، والصراط المستقيم قد فسر بالقرآن أو الإسلام، وطريق العبودية، وكل هذا حق، فهو موصوف بهذا وبغيره
الصلة بين الوسطية والصراط المستقيم
مما تقدم يتضح أن معنى الصراط المستقيم يدل على الوسطية في مفهومها الشرعي الاصطلاحي الذي سبق تقريره، وبخاصة أن ما جعلته لازما لمفهوم الوسطية وإطلاقها قد تحقق في معنى الصراط المستقيم، فالخيرية والبينية ظاهرتان في هذا الأمر، فنجد في سورة الفاتحة لما قال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 5] عرفه فقال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: 6] ثم حدده فقال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 7] فجعل الصراط المستقيم طريق الأخيار، وهم الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهو بين طريقي المغضوب عليهم والضالين.
وكذلك في سورة البقرة قال تعالى: (يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة: 142] فقال بعدها مباشرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) [البقرة: 143]، وقد تحدث المفسرون عن الكاف في هذه الآية، وذكر غير واحد (الكاف) للربط بين جعلهم أمة وسطا وهدايتهم للصراط المستقيم.
وبالتأمل فيما سبق يتضح لنا ما يلي:
1- أن الصراط المستقيم: يمثل قمة الوسطية وذروة سنامها وأعلى درجاتها، وآيتا الفاتحة والبقرة حجة قاطعة في ذلك.
2- أن الوسطية تعني الخيرية، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرين، أو خيرًا بين أمرين متفاوتين، وقد سبق تفصيل ذلك.
3- أن المقياس لتحديد الخيرية هو الشرع، وليس هوى الناس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإن مفهوم الوسطية عند كثير من الناس تعني التنازل أو التساهل؛ بل والمداهنة أحيانا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشر وهو إلى الشر أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
4- أن هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة، تجب مراعاتها عند ضبط مفهوم الوسطية وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدي إلى خلاف ذلك ومجانبته.
ولقد تحدث الكاتب عن العديد من المواضيع الأخرى والمهمة......
رأيي الشخصي:
إن الوسطية من أبرز خصائص الدين الإسلامي ولكن الأمة الإسلامية ابتعدت عن منهج الاعتدال والتوسط الذي رسمه القرآن الكريم ومارسه في الحياة سيد المرسلين فإن المتدبر في الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم يري فرقا شاسعا في أهدافها واختلافا في منطلقاتها وغاياتها وفي مشاربها، يرى الإفراط والتفريط والغلو والجفاء والإسراف والتقتير في عموم الأمة ولذلك كان لابد من ظهور العديد من الكتب التي تتناول هذا الموضوع لتهدي المسلمين إلى دينهم الحق وتعرفهم به وأنا أرى أن هذا الكتاب من أهم الكتب التي تحدثت عن هذا الموضع فهو بحث شامل متكامل لكل معاني الوسطية وأسسها وملامحها وكل ما يتعلق بها ويتضح لنا جليا مدى أهميته فهو في الأصل رسالة ماجستير ولفائدته الكبيرة أوصت لجنة المناقشة أن يطبع وينشر حتى تعم فائدته وأنني أدعو كل من يريد أن يقرأ عن موضوع الوسطية أن يقرأ هذا الكتاب وسيجد فيه ضالته بكل تأكيد.
التوثيق:
المرجع:
كتاب :الوسطية في القرآن الكريم (بتصرف) , الكاتب: الدكتور علي محمد الصلابي , دار النشر : دار المعرفة ( بيروت – لبنان )