إميل أمين*
من المؤكد ان ما يحدث للمسلمين في ميانمار (بورما) سابقا هو هولوكوست حقيقي من قبل المتطرفين البوذيين هناك, والامر الأشد أسفا هو الصمت العالمي المطبق الذي يفضح زيف وازدواجية منظومة حقوق الانسان حول العالم من جهة, وتخاذل العالمين, العربي والإسلامي, من جهة ثانية, إزاء الحرق والغرق وكل أشكال التطهير العرقي التي ترتكب ضد مواطني ذاك البلد بسبب إيمانهم وعقيدتهم.
"تتعامل معنا السلطات والجيش كأننا وباء لابد من القضاء عليه, فما من قرية فيها مسلمون إلا وتمت إبادة المسلمين فيها , ويسارع النظام العسكري الحاكم الى وضع لوحات على بوابات هذه القرى, تشير إلى أن هذه القرية خالية من المسلمين". بهذه الكلمات الحزينة تصف فتاة من ميانمار حال المسلمين هناك في ظل إبادة حقيقية يتعرضون لها, ما الذي يحدث في ميانمار في الوقت الحالي ?
وفق الأرقام الرسمية للدولة هناك فان 4 في المئة من سكان الدولة, يعتنقون الإسلام, غير أن هناك تقريرا صدر أخيرا عن لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية يؤكد ان السلطات الرسمية هناك تعمد إلى التقليل من عدد السكان غير البوذيين الذين تصل نسبتهم إلى نحو 30 في المئة من السكان.
والغالبية المسلمة في ميانمار تقطن أقليم اراكان حيث تصل فيه إلى أكثر من 70 في المئة وقد وصل الاسلام إلى ميانمار في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي, وذلك من خلال التجار العرب الذين امتدت تجارتهم إلى شرق آسيا.
ما الذي دعا لانطلاق »الهولوكوست« الجديد ضد المسلمين في ميانمار?
جرى ذلك في واقع الامر بعد أن أعلنت الحكومة الوطنية هناك نيتها منح هوية المواطنة للمسلمين من عرقية"الروهينغا" وقد كان ذلك كفيل بإثارة جحيم التعصب البوذي عند البعض, فتربصوا لحافلة تقل عددا من علماء المسلمين كانوا عائدين من أداء مناسك العمرة وانهالوا عليهم ضربا بالعصي حتى قضوا عليهم, وكانت هذه بداية المخاض.
ماذا عن التصرف الرسمي من الدولة وهل يتفق مع شرعة حقوق الانسان?
الشاهد أن التصريح الذي صدر عن رئيس البلاد يثير الغثيان والاشمئزاز, ذلك انه عوضا عن الدفاع عن حقوق مسلمي بورما, وأولها حقهم في الحياة فأنه يرى رؤية عنصرية تتمثل في القول إن الحل الوحيد المتاح لأفراد أقلية الروهينغا المسلمة غير المعترف بها تقضي بتجميعهم في معسكرات لاجئين أو طردهم من البلاد.
هل كان غرق خمس سفن كانت تقل نحو 150 من مسلمي الروهينغا في خليج البنغال الاسبوع الماضي اثناء هربهم من التعذيب والقهر الذي يتعرضون له أول أو أخر تلك الالام والعذاب?
في الواقع ان طريق الآلام في ميانمار يعود إلى العام 1784 عندما احتلت منظقة" اراكان" من قبل الملك البوذي بوداباي الذي ضم الاقليم إلى ميانمار خوفا من انتشار الاسلام في المنطقة, واستمر البوذيون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ من ذوي الاصول الهندية على ذلك. وقد دام الاحتلال نحو أربعة عقود أي حتى موعد وصول الاستعمار البريطاني عام 1824, وفي تلك الاثناء حاول جاهدا مسح علاقات الحضور الاسلامي هناك, فقتل العلماء والدعاة المسلمين, ودمر المساجد, وأغلق المدارس وشجع البوذيين على التنكيل بالمسلمين.
الثابت تاريخيا ان بريطانيا وغداة رحيلها عن ميانمار في 1948 ومنحها الاستقلال اشترطت على الحكومة الجديدة هناك ان تمنح كل العرقيات الاستقلال عنها بعد عشر سنوات إذا رغبت في ذلك, ولكن ما إن حصلت على الاستقلال حتى نقضت عهودها واستمرت في احتلال أركان من دون رغبة سكانها من المسلمين الروهينغا ومارسوا ابشع الممارسات ضدهم, ولم تتغير أحوال المسلمين الروهينغا بعد الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2010 حيث لايزال مخطط إخراج المسلمين من أركان موجودا, وقد نجحت هذه الممارسات في تهجير ما بين ثلاثة وأربعة ملايين مسلم حتى الآن ومئات الاف القتلى.
هنا نتساءل هل البوذية تحض على هذه الابادة?
معلوم أن التعاليم التي تركها بوذا المستنير وقد ترك نحو 250 وصية لاتباعه, تؤكد في بعضها على حتمية البعد عن القتل والحقد, والسعي إلى التسامح والتعايش مع الناس جميعا بالود والسلام.
ولعل من المثير أيضا ان نجد أحد أشهر رموز البوذية في العالم المعاصر أي الدالاي لاما يتحدث في الثامن من أكتوبر عام 2006 وفي النادي الصحافي للمراسلين الاجانب في نيودلهي محذرا العالم من تصوير الاسلام على انه دين عنف قائلا: »إن المسلمين ظلموا بتصويرهم بصورة بشعة في الغرب وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر«.
لماذا لا يعلو صوت الرجل هذه المرة منددا بأبادة مسلمي الروهينغا?
غير أن علامة الاستفهام الأحق هي إذا كانت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حالة تقاعس شديد فما الذي قدمه العالمان العربي والاسلامي انطلاقا من رباط الايمان ووحدة العقيدة لهؤلاء المظلومين والمعذبين في الارض? أم أن الربيع العربي المزعوم قد قوض أركان الدولة القومية العربية في الداخل وجعل بقية العالمين العربي والاسلامي في حالة خوف شديد من الأسوأ الذي لم يأت بعد,وأضحى عاجزا عن دعم أو الدفاع عن مسلمي الروهينغا أو غيرهم من مسلمي العالم?
* كاتب مصري
com.emileamen@gmail