المجتمع, التمويل, العربي, الإسلامي
التمويل الإسلامي في المجتمع الغربي (2)
السبت 25 فبراير 2012
علمنا في الحلقة الماضية أن المعاملات الربوية وما يسمى بعولمة النظام الاقتصادي كادتْ أن تودي بالنظام المالي الأمريكي كله بل والأنظمة المالية للكثير من الدول الغربية، وأثرتْ في الحركة الاقتصادية العالمية تأثيرًا قويًّا لَم يمرَّ به النظامُ المالي منذ ما يقرب من ستين عامًا؛ مما لفت الانتباه إلى المعاملات الاقتصادية الإسلامية، وبالتالي إلى دراسة وتطبيق نُظُم الاقتصاد والتمويل الإسلامي، وقد أخذتْ عدة جامعات غربية هذا الأمر بجدية، أدَّتْ بهم إلى الموافَقة على منْح درجة للماجستير في الاقتصاد الإسلامي في شتراسبورج بألمانيا، بدءًا من هذا العام، وقبلها في باريس.
وقد تناولنا بعضًا من أقوال خبراء الاقتصاد المالي في عدة دول غربية واليوم نستكمل هذه الجولة.
ففي جنيف قال مدير صندوق بيرش اسيتس لإدارة الأصول: "إن التمويل الإسلامي يمكنه توسيع نطاق جاذبيته إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية في أعقاب الأزمة المالية، كما يمكنه المساعدة في إعادة الانضباط إلى النظام المالي".
وقال أيضًا: "ستساعد مبادئ الشريعة مديري الأصول على الانصراف عن الهندسة المالية والتحول إلى المشاركة في المخاطر والأرباح، وهو نظام أفضل بكثير".
وتابع: إن كثيرًا من المستثمرين ينجذبون إلى الاستثمارات المطابقة للشريعة الإسلامية لأنها تتجنب المنتجات التي يستعصي فهمها على الكثيرين وتركز على منتجات ملموسة، وقال: "تدمير الأصول الحقيقية أصعب من تدمير المنتجات المالية المعقدة".
كما أضاف:"من الناحية المصرفية لا يمكن للبنوك الإسلامية أن تقرض سوى ما لديها من ودائع، وهو ما يتفادى تخليق الائتمان بكل آثاره التي شاهدناها خلال الأزمة المالية، والإقراض يصبح أكثر انضباطًا بدرجة كبيرة".
كانت مخاوف بيرش من أن يشكل الإفراط في الإقراض تهديدًا رئيسًا للنظام المالي العالمي قد دفعته إلى نشر كتابه "الانهيار الأخير" مطلع عام 2007م والذي ناقش خلاله تداعيات أزمة الائتمان التي كانت وقتها تلوح في الأفق.
وقال بيرش: "كنت أتساءل كيف يمكن أن نتعلم شيئًا مما كنت أعتقد أنها كارثة مالية وشيكة وتجنب خلق نفس الظروف مرة أخرى". وأضاف: "عندما نظرت إلى مبادئ التمويل الإسلامي وجدت كل الإجابات فيه".
ويرى خبراء التمويل الإسلامي أن لندن تتمتع بمقومات مهمة لاجتذاب الخدمات المصرفية الإسلامية أبرزها وجود نحو 23 مصرفًا فيها، ومن بين المزايا الأخرى وجود تسع مؤسسات لإدارة المحافظ المالية وعدد من المؤسسات القانونية الدولية التي تقدم خدمات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، فضلاً عن وجود سوق ثانوية في الصكوك الإسلامية بتعاملات تصل قيمتها إلى ملياري دولار شهريًّا إلى جانب سوق متنامية لخدمات الرهن العقاري بالتجزئة حسب الأصول الإسلامية.
يذكر أن هيئة تشجيع ودعم الخدمات المالية في المملكة المتحدة قد أعلنت مؤخرًا عن اندماج "أمانة التمويل الإسلامي في بريطانيا" ضمن عملياتها.
ووفق دراسة أعدتها مؤسسة الخدمات المالية الدولية برعاية الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار، تتصدر بريطانيا باقي دول أوروبا الغربية في تأسيس مصارف تتوافق بالكامل مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما أسس عدد من المصارف البريطانية خدمات إسلامية منذ عام 2004م.
ويوجد في لندن 23 بنكًا تقدم منتجات مالية إسلامية للمستهلكين، كما يوجد بنوك تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية بالإضافة إلى مورد مستقل للتأمين الإسلامي (التكافل).
وفي السنوات الأخيرة، قامت وزارة المالية وهيئة الخدمات المالية بالإضافة إلى بنك إنجلترا بجهود لتوفير مجال كبير للتمويل الإسلامي في المستويات القانونية والمالية والرقابية، من بينها إزالة فرض الضرائب المزدوجة على الرهون الإسلامية في عام 2003م وتوسيع نطاق الإعفاء الضريبي على الرهون الإسلامية للشركات والأفراد.
كما تم اتخاذ إجراءات جديدة في عام 2007م لمساعدة أن يكون تداول الصكوك الإسلامية بنفس طريقة تداول الصكوك العادية.
ومن بين البنوك الإسلامية في بريطانيا بنك بريطانيا الإسلامي، ومنذ تأسيس هذا البنك في 2004م أصبح أول بنك في العالم الغربي يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، وبلغ عدد عملائه 40 ألف عميل وبلغت ودائع العملاء 250 مليون دولار.
وتتخصص البنوك الأربعة الأخرى في تقديم الخدمات المصرفية الاستثمارية.
وقد صرح عمدة حي المال في مدينة لندن - والذي هو أيضًا سفير صناعة الخدمات المالية في المملكة المتحدة خلال ورشة العمل السنوية الثانية التي نظمها معهد الصيرفة والتأمين الإسلامي وأكاديمية الشريعة الدولية للتمويل الإسلامي بالتعاون مع "ثومسون رويترز" - أن الهدفين الرئيسيين لسياسة الحكومة البريطانية لدعم التمويل الإسلامي هو الإدماج المالي للسكان المسلمين في بريطانيا وموقع لندن كمركز مالي دولي رائد.
وأشار إلى التغيرات التنظيمية المختلفة في قانون الضريبة للمعاملات المالية الإسلامية لتحقيق تكافؤ الفرص مع قطاع الخدمات المالية التقليدية، وقال: إن المملكة المتحدة هي المركز الوحيد للتمويل الإسلامي في الغرب.
ومع كل الإيجابيات التي يراها المطلعون على الساحة الاقتصادية الإسلامية في العالم, فإن له أيضًا عوائق وسلبيات نرصدها في الأسطر التالية.
إن تفاعل العديد من المتخصصين في المصرفية الإسلامية من مختلف أنحاء العالم مع التقرير الذي نشرته ''الاقتصادية'' في أكتوبر الماضي حول جهل المواطن الغربي بحقيقة المنتجات المالية الإسلامية ورأوا أن سبب هذا الجهل يعود إلى تقصير القائمين على المصرفية الإسلامية أنفسهم، كما اقترحوا العديد من الوسائل لرفع الوعي لدى المواطن الغربي وخاصة غير المسلمين منهم.
كما قال رئيس الهيئة الإسلامية الأوروبية في سويسرا: "لم نسمع بمصارف إسلامية في سويسرا، وإنما سمعنا بوجودها في فرنسا وبريطانيا، وذلك عن طريق بعض القنوات العربية وليس عن طريق قنوات أوروبية".
وأضاف: خلال ممارستي للدعوة ومع كثرة تنقلي في أوروبا لم أر دعاية واحدة للمصارف الإسلامية ولا تعريفًا لا باللغة الفرنسية ولا الألمانية ولا الإيطالية.
وقال: من أين يتعرف المواطن الغربي على المصرفية الإسلامية إذا لم تكن هناك أي دعاية في قنواتهم ولا حتى منشورات توزع أو لقاءات تعريفية؟
وأيَّد ذلك الدكتور مدير مركز التميز للدراسات المصرفية الإسلامية بقوله: "فيما يتعلق بالغربيين فإن النظام المالي الإسلامي لا يرون أنه نظام يخاطبهم فهو نظام خاص بالمسلمين، ورغبة البعض في معرفة بعض القضايا العامة ناشئ عن حب الاطلاع العام وليس رغبة في الاستفادة منه، والسبب في ذلك أن المنتجات المتوافقة مع الشريعة روج لها على أنها منتجات إسلامية، والمستمع للوهلة الأولى يعتقد أنها تخص المسلمين فقط لا غيرهم، أما بالنسبة للمسلمين فذلك يكمن في عدم وجود جهود كبيرة من مختلف المؤسسات سواء المالية وغيرها في نشر الوعي بالمنتجات المتوافقة مع الشريعة بل تجد أن مجموعة من الذين يعملون في المؤسسات المالية ويباشرون تقديم هذه المنتجات للأفراد ليسوا على وعي كاف بطبيعة هذه المنتجات وتكييفها الشرعي والفرق بينها وبين المنتج التقليدي.
من جانبه، أرجع أحد المختصين في هذا الشأن السبب إلى انخفاض حصة المصارف الإسلامية بالنسبة للمصارف الغربية التي تستأثر على مجمل العمل المصرفي في الدول الغربية، فنسبة المصارف الإسلامية أقل من نسبة 1% من إجمالي المصارف في الدول الغربية، كما أنها تفتقر إلى الإعلام الفاعل لإبراز ملامحها والتواصل مع المجتمع الغربي واتجاه عديد من المصارف الإسلامية من دائرة الرسالة الإسلامية إلى دائرة الربحية التجارية المطلقة، إضافة إلى غياب التنسيق بين المصارف الإسلامية شرقًا أو غربًا، وعدم وجود جهة عليا لتلك المصارف تنسق فيما بينها وتسعى لتحقيق رسالتها التي أنشئت من أجلها.
وفي ذات السياق، قال أحد المستشارين في المصرفية الإسلامية: لقد ركزت الصيرفة الإسلامية ومنذ تأسيسها في الغرب على الأعمال ولم تهتم كثيرًا بالمعرفة، فلم يكن من أولوياتها نشر المعرفة بالصناعة ومبادئها والأسس التي تقوم عليها، وذلك ناتج لغياب الرسالة لدى المؤسسين لمؤسسات هذه الصناعة والقائمين عليها، فلم يكن يهمهم في جميع الأحوال سوى الربح، ولو أن القائمين على هذه الصناعة كان لديهم نوع من الاحتراف المهني البحت فضلاً عن أن تكون لديهم رسالة لعلموا أن تعريف المجتمعات التي تعمل فيها هذه المؤسسات بماهية هذه المؤسسات والمبادئ التي تقوم عليها سيكون أكبر تحصين لها ضد أي دعاية مغرضة أو تشويه متعمد.
وأخيرًا، إن الإقبال الغربي يتزايَد على الأخْذ بالعُقُود الإسلامية في مجال التمويل الإسلامي، لاسيما بعد الأزْمة العالميَّة الجديدة في الولايات المتحدة، والتي عبَرت الأطلنطي لتؤثرَ على أوروبا، وبالتالي على العالَم كله بدرجات مُتفاوتة، غير أن هذا الإقبال وإنْ كان خيرًا في نفسه إلا أنه يشتمل على مخاطر كثيرة من أهمها محاولة إعطاء أسماء إسلامية لعقود ربوية غير مشروعة، كما حدث هذا في بلداننا الإسلامية، كما ينبغي أن نَتَنَبَّه إلى أن مُحاولة الغرْب تطبيق نظام التمويل الإسلامي داخل نظام اقتصاد ربوي أو تطبيق التمويل الإسلامي دون مفاهيمه العميقة التي تعلم الإنسان أن المال مال الله، وأننا مستخلفون فيه، هذه المُحاوَلة هي مُحاولة استنبات لنبات صالح في بيئةٍ غير صالحة، ومع التسليم بأنه يمكن أن يكون لها أثر إيجابي، إلا أن الاقتصاد الإسلامي لا يكون إسلاميًّا حقًّا إلا مِن خلال منظومة إسلامية متكاملة، وإذا صح لهم أن يعملوا بهذا النظام الإسلامي لدوافع مصلحية ونفعية، فإنه لا يصحُّ للمسلم أن يسارعَ في تبني هذه التجربة، ولا أن يندفعَ في مباركتها، بل الواجب تبنِّي العلماء لها بالنصح والتوجيه، وتقديم البدائل التي تضمن الربح، ولا تُخالف الشريعة.
ونختم بمقولة لأحد المختصات في الشأن الاقتصادي في إيطاليا "لوريتا نابليوني" حيث قالت: "التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل إليه بفضل التمويل الإسلامي بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يشبه الاقتصاد الإسلامي بالإرهاب"، ورأت نابليوني أن "التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني".
إن من العجب العجاب عندما تجد غير المسلمين يتعاملون مع البنوك الإسلامية والاقتصاديين في الغرب ينادون بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي ونحن لازلنا لا نطبق أحكام ديننا في الاقتصاد!!!!!!
انتهى حديثنا اليوم مع وعد بلقاء جديد في موضوع جديد إن شاء الله، فإلى الملتقى.