الإسلام؟!, صراع, نيجيريا.., طائفي
أيمن بريك
ما تلبث الأوضاع في نيجيريا أن تهدأ حتى تطفو الصراعات المسلحة على السطح مرة أخرى، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى، في ظل مذابح جماعية يصورها البعض على أنها نزاعات طائفية بين المسلمين والنصارى في هذا البلد الإفريقي المسلم المتعدد الطوائف العرقية والإثنية، والذي يبلغ عدد سكانه 160 مليون نسمة.
ومع تصاعد وتيرة العنف خلال الأشهر الماضية في عدد من الأقاليم النيجيرية، ثارت الكثير من التساؤلات حول حقيقة هذا الصراع، ومن يقف وراءه، ومن المستفيد الحقيقي منه، وهل هو صراع بين قوى متكافئة أم حرب يخوضها النصارى والغرب ضد مسلمي نيجيريا الذين يشكلون ما بين 60 : 75 % من السكان، وفقًا لبعض الإحصائيات؟!!
يرى المراقبون أن ما يحدث في نيجيريا لا يمكن إدراجه تحت مسمى (صراع طائفي) بأي حال من الأحوال، خاصة في ظل المذابح التي ترتكب ضد المسلمين، الذين يشكلون الأغلبية، وهو أمر لم يحدث من قبل أن تضطهد أغلبية في بلدها، ولكن الأمر في نيجيريا مختلف، فعلى الرغم من تركز الوجود الإسلامي في تسع عشرة ولاية شمالية تقطنها قبائل الهوسا والفولاني، حيث تبلغ نسبة المسلمين هناك 95%، وتطبق أكثر من 12 ولاية من ولايات الشمال أحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أقلية مسلمة في الجنوب، إلا أن مسلمي نيجيريا يعانون من الفقر والتهميش، مقارنة بالنصارى الذين يتركز وجودهم في ست عشرة ولاية جنوبية، وتنتمي الغالبية العظمى منهم إلى قبيلة الإيبو، والذين يسيطرون على الثروة النفطية التي تجعل من نيجيريا أول مصدر للنفط في أفريقيا، فضلًا عن سيطرتهم أيضًا على جميع الشركات والمؤسسات المالية والأمنية والسياسية الحكومية، مما يصعب على المسلم العادي، وإن كان يحمل المؤهل العلمي المناسب، أن يحصل على عمل في أي مؤسسة حكومية أو غير حكومية ما دام يحمل اسمه الإسلامي إلا إذا تنصر، وتخلى عن دينه وأبناء جلدته من المسلمين.
وكذلك الأمر في المناطق التي يتداخل فيها أبناء الطائفتين في وسط نيجيريا، أو في مناطق الشمال ذات الأغلبية المسلمة، حيث تقوم الجماعات النصرانية المتطرفة بارتكاب مذابح جماعية ضد المسلمين، على مسمع ومرأى من القوات الحكومية والجيش، إذ يحتكر غير المسلمين السيطرة الكاملة على الجيش والشرطة بمساعدة الرئيس النيجري وإدارته التي خصها بجميع الرتب والمناصب العسكرية والأمنية.
إن المتابع لعدد وحجم المذابح التي ارتكبت ضد المسلمين من قبل النصارى المتطرفين أعوام 1990، و1994، 1995في (تفاوبليو) و(كافنشان) وفي (تينغو وادوغو)، يدرك جيدا أن الأمر لا يمكن تخيله على أنه صراع طائفي، ويؤكد ذلك أيضًا ما حدث في عام 2000 ارتكب النصارى، بمساعدة عناصر من الجيش مذبحة (كادونا)، والتي قتل فيها آلاف المسلمين، وفر الآلاف منهم إلى مدن مجاورة وأحرقت ممتلكات الأغنياء من المسلمين، وكذلك ما حدث في مدن جوس وجويلية وجانفي في أعوام 2004، 2010، و2011، وهو ما تكرر ويتكرر الآن في مناطق وأزمنة مختلفة، مما أسفر عن مقتل آلاف المسلمين.
لقد حاول الغرب أن يوظف العمليات التي تقوم بها جماعة (بوكو حرام) -والتي تعني باللغة العربية (التعليم الغربي حرام)، والتي ظهرت لتدعو إلى مقاطعة كل ما هو غربي وتطبيق الشريعة الإسلامية- لتصوير الأمر على أنه حرب طائفية، أو أن (المسلمين الإرهابيين) هم من يقومون بارتكاب هذه المذابح، وهو ما بدا واضحًا في ردة الفعل الغربية على ما يحدث، ففي حين أغمض الغرب الطرف عما يرتكب بحق المسلمين من عمليات قتل وتنكيل وإحراق للأشخاص والممتلكات، جاء رده قويًا على بعض التجاوزات التي ارتكبتها جماعة بوكو حرام من خلال تصوير ذلك على أنه يشير إلى نمو (التيارات الأصولية) في نيجيريا، مؤكدين على ضرورة التصدي لها بكل قسوة وحزم.
ولعل هذا ما أعطى القوات الحكومية الضوء الأخضر لارتكاب مذابح جماعية ضد أعضاء هذه الجماعة، حيث أظهرت لقطات فليمية بثتها قناة الجزيرة في 9 فبراير 2010 كيف أن القوات الحكومية والجيش النيجيري ينفذان عمليات إعدام لأشخاص مدنيين منهم من لا يستطيع السير على قدميه، عن طريق إطلاق الرصاص بدم بارد على رؤؤس هؤلاء الأشخاص بطريقة وحشية بعيدة كل البعد عن الأديان والشرائع السماوية، فضلًا عن استمرار المذابح التي ترتكب ضد المسلمين بمشاركة الشرطة والجيش، مما يشير بشكل واضح وصريح إلى أن ما يحدث هو حرب غير معلنة على الإسلام تشارك فيها مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الطائفة النصرانية بدعم غربي بهدف القضاء على النزعة الإسلامية الموجودة في هذا البلد الذي يعتنق غالبيته الدين الإسلامي.
يأتي هذا في ظل دور عربي وإسلامي مفقود، حيث يعاني مسلمو نيجيريا، خاصة في الجنوب، من ضعف مساعدات الدول العربية والإسلامية، وعدم وجود مؤسسات خيرية إسلامية، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وانطلاق ما يسمى بـ (الحرب على الإرهاب)، والتي أغلقت القنوات الخيرية الخليجية والمسلمة التي كانت تساعد مسلمي نيجيريا على مواجهة الفقر الشديد وقلة الوعي الديني وضعف الثقافة وانتشار الجهل، خاصة في ظل محاربة الحكومة لإقامة المدارس العربية والإسلامية، والضغوط الشديدة لمنع تعليم المواد الإسلامية في المدارس الحكومية من قبل الحركات التنصيرية.
إن الموقف العربي والإسلامي مما يحدث من مذابح ضد المسلمين في هذا البلد الإفريقي، يجعل مسلمي نيجيريا، ليسوا فقط ضحية المخططات والمنظمات الغربية الهادفة بشكل أو بآخر إلى القضاء على الإسلام في نيجيريا، ولكن أيضًا ضحية التجاهل العربي والمسلم لهذه القضية التي يروح ضحيتها آلاف المسلمين سنويًّا.
وفي النهاية يبقى التأكيد على أن ما يحدث في نيجيريا ليس حربًا طائفية، كما تحاول وسائل الإعلام، خاصة الغربية، الترويج له، لكنها حرب شعواء ضد الإسلام والمسلمين، بهدف القضاء على هذا الدين وأتباعه، وتفكيك الشمال المسلم، وضرب الكثافة الإسلامية في نيجيريا من عمقها لصالح الأقلية العرقية النصرانية، وهو ما يجب التصدي له، بنصرة الشعب النيجيري من خلال إبراز قضيته، ودعم المسلمين المضطهدين، والضغط على الحكومة النيجيرية من أجل تحقيق مبدأ المساواة بين (الأغلبية) المسلمة المضطهدة، والأقلية (النصرانية) المسيطرة على مجريات الأمور.
إضافة إلى ضرورة الوقوف في وجه المخططات الغربية التي تستهدف بالدرجة الأولى القضاء على المسلمين، بل وتصويرهم على أنهم هم الجناة، في حين أن الواقع يؤكد أنهم هم المجني عليهم، فهل يهبُّ المسلمون لنصرة مسلمي نيجيريا؟ أم يتركونهم يقتَّلون ويذبَّحون في وضح النهار دون تحريك ساكن؟!!.