12-06-2014 ~ 04:20 PM
حضارة الاستنزاف
مشاركة رقم 1
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012
الاستنزاف, حضارة
حضارة الاستنزاف:
من الجليّ أنّ الحضارة الصناعيّةَ تختنق، وأنّها في سسبيلها للانهيار.. إنّ هذه الحضارة تقوم أساسا على الاستهلاك، فكلّما زاد الاستهلاك انتعش الاقتصاد، وتوسّع الإنتاج وبالتالي تتوفّر فرص العمل للمزيد من الناس.. إنّ الإنتاج بالكتلة mASS PRODUCT
(أي بكمّيات هائلة) يؤدّى إلى خفض تكلفة الإنتاج الكلّيّة، وبالتالي تخفيض سعر المنتج النهائيّ، وبالتالي إقبال المستهلك عليه، وبالتالي تحقيق مكاسب أكبر.. وكما ذكرنا سابقا، يتصل هذا النظام صلة وثيقة بالدعاية، فأهمّ شيء هو أن يتمّ إغراء الناس بالشراء، حتّى لو لم يكونوا في حاجة حقيقيّة إليه.. إنّ هذه المنظومة الآن في مطبّ شديد، وذلك للأسباب التالية:
1-
اعتمدت الحضارة الصناعيّة أساسا على الاستعمار، ليس فقط لسرقة موارد وثروات الدول المستعمرَة، ولكن أيضا لجعل هذه الدول سوقا لتصريف منتجاتها.. ومنذ انحسار الاستعمار في خلال الأعوام الأربعين الماضية، فقد الاستعمار الصناعيّ جزءا من موارده وأسواقه.. لم يفقده كلّه، لأنّ معظم الدول التي نالت حرّيّتها حكمها موالون للغرب، ساعدوه على استمرار مسلسل الاستنزاف.. ومن حاول أن يستقلّ حقيقةً، تمّ الزجّ به في حروب مجنونة أو تدبير الانقلابات والثورات للتخلّص منه.. ولكن مع مرور الوقت اتجهت معظم المجتمعات نحو التصنيع أو نصف التصنيع، وبالتالي صارت تستغلّ جزءا أكبر من مواردها وتستورد كّما أقلّ من الخارج.. هذا بجانب ظهور عمالقة اقتصاديّة كبيرة، مثل اليابان والصين ودول شرق آسيا وحتّى الهند.
2-
دماء الحضارة الصناعيّة هي البترول، وهو للعجب يتركّز بكمّيّات هائلة في دول مطحونة لا تستغلّه.. إنّ هذا يستنزف المزيد من أموال الغرب.. الخطورة الحقيقيّة هي أنّ ثلثي البترول يتركّز في منطقة الخليج، وباقي البترول مهدّد بالنضوب في خلال أربعين عاما.. إنّ هذا يهدّد بانهيار حضارة الغرب نهائيّا، أو على الأقلّ وضعها تحت رحمة المتخلّفين من أمثالنا، إذا ما فكّرنا في منع البترول عنهم (كما فعلنا في حرب أكتوبر) أو حتّى تحكّمنا في سعره كما يحلو لنا!
3-
استنزف هذا التصنيع الجائر معظم موارد البيئة، وأباد غابات وأنضب مناجم وآبار بترول، ولوّث أنهارا وبحارا، وسمّم البيئة.. إنّ هذا قد أدّى لفرض قيود على التصنيع لحماية البيئة، وهو بمثابة عائق اقتصاديّ جديد أمام رجال الأعمال.
4-
نظرا للظلم الجائر الذي انبنت عليه هذه الحضارة الغاشمة، صار 20% من الناس يمتلكون 80% من الثروة.. إنّ معنى هذا أنّ الفقراء يزدادون فقرا باستمرار، ويموت الملايين منهم سنويّا جوعا ومرضا.. كما يلاحظ المراقبونَ انحسار الطبقة المتوسّطة باستمرار، وهي الطبقة المستهلكة الرئيسيّة.
5-
ازداد التنافس حتّى في الدول الصناعيّة نفسها، ممّا قلّل المكاسب، خاصّة مع تقلّص الأسواق الخارجيّة كما أوضحنا من قبل، بل إنّ هناك منافسة أجنبيّة داخل البلاد، مثل التي مثّلتها المنتجات اليابانيّة والصينيّة.
6-
أدّى زجّ النساء في العمل إلى الهبوط بكفاءة العمل وازدياد البطالة باطّراد.
7-
تستنزف هذه الحضارة عمر الفرد، فسنّ التعليم يزداد باستمرار، نتيجة للتنافس الخانق والبطالة، حتّى إنّ جامعات (أوروبا) جعلت التخصّص في المرحلة ما بعد الجامعيّة!!.. إنّ عدد سنوات تعليمٍ أكثر، يعني مراهقةً أطول، وتخريبا في شخصيّة الفرد، وتعطيله عن العمل والإنتاج!!
8-
هذا بخلاف الدمار الذي أحدثته هذه المنظومة لشخصيّة الفرد واستقرار الأسرة، وما أدّت إليه من انحلال أخلاقيّ وطلاق وجرائم وأمراض نفسيّة.. لا أعتقد أنّ هذا هو المناخ الصحيح للتقدّم.. ويكفي أن أذكّرك بعزوف الأفراد في هذه المجتمعات عن الزواج (للحصول على المتعة بدون مسئوليّة)، مع تأخّر سنّ الزواج للمرأة وعزوفها عن الإنجاب للتفرّغ لطموحاتها الوهميّة، واستخدام حبوب منع الحمل، ممّا أدّى لارتفاع نسب العقم، وعمل على تقلّص عدد سكّان العديد من الدول الصناعيّة مثل ألمانيا الغربيّة (سابقا) وكندا.. ولولا أنّ (أمريكا) تفتح باب الهجرة، وتسرق أفضل سكّان العالم في كلّ المجالات، لكانت تواجه نفس المصير.. إنّ أوّل نتيجة تترتّب على تقلّص عدد السكّان، هي تقلّص المستهلكين، وبالتالي عزوف المستثمرين عن ضخّ نقودهم في هذه السوق.. إنّ الصين أكبر مثال عكسيّ على ذلك، فعدد سكانها يتجاوز المليار وربع المليار، وهو ما يغرى أيّ مستثمر لإقامة صناعته هناك، فهو سيضمن تطبيق نظريّة الإنتاج الكمّي خير ما يكون التطبيق، ضامنا أنّ منتجاته لن تظلّ مخزّنة لفترات طويلة، مهما كان حجم إنتاجه!
كلّ هذا أدّى إلى تقلّص الاستثمار في الغرب، وبالتالي ازدياد معدلات البطالة وتضاءل معدّلات النموّ.. وللخروج من هذه المأساة تمّ تدبير اتفاقيّة الجات، وإغراء الدول المتخلّفة لدخولها بالمعونات والمنح والتسهيلات والوعود البرّاقة، على أمل أن تفتح أسواقها أمام المنتجات الغربيّة، التي تمتاز بجودتها ورخص تكلفتها أمام الصناعات الوطنيّة.. هذا بخلاف تكوين الاتحاد الأوروبيّ الذي غرّر بنا بدوره لتوقيع اتفاقيّات الشراكة غير المتكافئة على الإطلاق.
ولكن يبدو أنّ (الولايات المتّحدة) كان لها رأي آخر، فقد قرّرت فجأة إعادة عصر الاحتلال الفعليّ المباشر (احتلال الأرض وسرقة مواردها وثرواتها وتقسيم غنائمها على شركاتها).. إنّ ما نشاهده الآن من احتلالها هي وبريطانيا (للعراق)، يمثّل الاستعمار في أجلى صوره:
1-
إشاعة الفوضى، وإطلاق المجرمين من السجون لإعمال السلب والنهب.
2-
تحريك الفتن الطائفيّة، تمهيدا لتفتيت العراق إلى دويلات صغيرة هشّة.
3-
سرقة البنوك والمتاحف، كمقدّمة لإلغاء العملة العراقيّة وتحويل كلّ الشعب العراقيّ إلى شحّاذين!
4-
فتح العراق للتجارة الدوليّة بلا جمارك، ممّا يعني أن يكون سوقا مفتوحة للمنتجات الأمريكيّة، بلا أيّ منافسة وطنيّة على الإطلاق، فلن توجد شركة عراقيّة واحدة تستطيع أن تقف أمام الصناعة الغربيّة.
5-
منح تعاقدات إعادة إعمار العراق واستخراج البترول لشركات الدولتين المحتلتين ومن يمالؤهما.
6-
نهب ثروات العراق البتروليّة الضخمة، حيث ستتحكّم (أمريكا) في سعره وعائداته، وتقتطع لنفسها منها ما تراه تعويضا لحربها التي قتلت فيها أبناء الشعب العراقيّ.
7-
تعيين حكومة موالية عميلة، تضمن استمرار سيطرة (أمريكا) على (العراق)، حتّى بعض خروج جيوشها منه.
والآن سيعيد العراق اللعبة منذ البداية: حكومة عميلة وصراعات طائفيّة.. ثورات وانتفاضات وتحرّر.. تأميم الشركات والنفط.. حكومة دكتاتوريّة لإحكام السيطرة على الطوائف المختلفة.. محاولة بناء الدولة من جديد.... وهلمّ جرّا[1] .
إنّ الحضارة الغربيّة أكبر مصّاص دماء في التاريخ، ومن دون الاستعمار والسرقة والنهب لا يمكن لها أن تستمرّ.
ألا تعتقد أنّها مؤامرة؟:
والآن أنا أظنّ أنّ أحداث 11 سبتمبر عام 2001 هي تدبير أمريكيّ أساسا، لتبدأ به مسلسلا استعماريّا طويلا، دون أن يعترض الشعب الأمريكيّ، ظانا أنه في حالة دفاع عن النفس!
في 24/7/2001 ـ أي قبل 47 يوما فقط من تفجيرات 11 سبتمبر ـ صرّح الاقتصادي المعروف 'ليندون لاروش' أحد مرشحي الحزب الديمقراطي الأمريكي لانتخابات الرئاسة القادمة عام 2004 في الولايات المتحدة قائلا :
"نحن في أزمة مالية.. إن الولايات المتحدة الأمر ي كية تدار بشكل خاطئ منذ عهد كارتر، ونظامنا على حافة الإفلاس .. إن نظم المواصلات والطاقة والتعليم والصحة وبنيتنا التحتية في حالة انهيار .. إن 80% من الشعب من ذوي الدخول المحدودة ووضعهم الآن أسوأ بكثير من وضعهم في عام 1977، وما دام صندوق النقد الدولي وسياستنا الحالية ووول ستريت والنظام الاحتياطي الفدرالي لا يزال مهيمنا علينا ، فلا يتوقع أحد أي إصلاح أو تحسن .. وإذا استمرت الحال على هذا المنوال ، فقد يضطر الرئيس بوش إلى التخلي عن منصبه قبل انتهاء مدة رئاسته . . إن الانهيار لا يظهر فجأة أمام الأعين، فالسياسات الخاطئة تستمر وفجأة تقع الأزمة.
الولايات المتحدة لا تعاني وحدها من شبح الإفلاس، بل إن إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا هي أيضا على حافة الإفلاس. . كان روزفلت يريد في الثلاثينيات إنهاء العداء والخصام في العالم ومسح آثار الاستعمار، ولكنه مات قبل أن يحقق هذه الغاية . . أما ترومان وتشرشل وأصدقاؤهما والإنجليز والفرنسيون والهولنديون فقد أحيوا الاستعمار، في حين كانت نهضة الولايات المتحدة ونهضة أوروبا مرتبطة بنهضة الأمم الأخرى. . ولكن عندما أشرفنا نحن وأوروبا على الإفلاس سحبنا أميركا الجنوبية أيضا إلى الانهيار . . لم تعد المكسيك كالسابق، أما بنما والإكوادور فغير موجودتين . . أما كولومبيا فقد انهارت تماما، وفنزويلا على حافة الهاوية، وكذلك بيرو والأرجنتين . . والبرازيل على وشك التمزق والانقسام، وتشيلي على عتبة الانهيار المالي، وهناك مشكلات مالية كبيرة جدا في بوليفيا وباراغواي وأورغواي.
من جهة ثالثة هناك تحولات جديدة في آسيا.. في روسيا والصين والهند، بل حتى في اليابان . . لقد تأسست منظمة "وحدة شنغهاي"، وهناك جهود لتأسيس خطوط مواصلات تبدأ
من الصين ومن آسيا وتمتد إلى أوروبا . . وتخطط دول جنوبي آسيا لتعاون مماثل.
ولكن يتم في مثل هذه الأوضاع والفترات عادة إشعال نار حروب عالمية . . لقد تسبب الإنجليز بإشعال نار الحرب العالمية الأولى للحيلولة دون حدوث مثل هذه التحولات في آسيا، قاموا بإشعال النار في البلقان أولا ثم في العالم بأسره، وقام الألمان بإشعال نار الحرب العالمية الثانية بالدوافع نفسها.
والآن تريد القوى الموجودة في داخل الولايات المتحدة الأميركية وفي إنجلترا -ومن ضمنهم بريجنسكي- إشعال حرب عالمية لعرقلة هذه التحولات الجارية في آسيا . . إن شهر أغسطس/آب أفضل وقت لإشعال مثل هذه الحرب، وسيعلنون أن هذه الحرب هي حرب بين الغرب وبين الإسلام . . علينا أن نمنع وقوع مثل هذه الحرب، لذا علينا أن نوقف شارون في إسرائيل قبل كل شيء .. الحرب هي الهواية الوحيدة لهذا الشخص . . علينا أن نوقفه وأن نؤمن السلام في الشرق الأوسط وأن نحيي نظامنا ونتحول إلى النهضة بطريقة روزفلت).
هذا هو الخطاب التاريخي الذي ألقاه هذا السياسي بعيد النظر ، الذي حلل بواطن الأمور وذكر توقعاته بأن هذه الأوضاع الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية ستقودها إلى اختراع عذر لإشعال حرب بين الغرب والإسلام ".
إنّني أطلق تحذيرا جادّا: الجات والشراكة والاستعمار.. ما الذي ننتظره من الغد في ظلّ هذه السيوف المسلّطة على رقابنا؟؟!!
[1] لقد صدق كلّ ما قاله رجال الدين.. إنّنا لم نخرج يوما من قبضة الغرب.. وكلّ من ينسى نفسه ويظنّ أنّه حرّ ومستقلّ فسيكون مصيره كمصير (عبد الناصر) و(القذافي) و(صدام) ومن شابههم.