الله, بالعقول, والاستخفاف
في الذكرى الرابعة لاغتيال ثلاثة من قادة حزب الله قال حسن نصر الله:“ما أقدم عليه حتى الآن الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية من إصلاحات، وما اتخذ من قرارات، وأجرى من تعديلات، هل أقدم عليه أو يمكن أن يقدم عليه ملك أو أمير أو شيخ أو رئيس في أي نظام عربي حالي؟”. وأضاف "فلنفترض النظام في سوريا مثل إسرائيل، أنتم تقبلون حلا سياسيا مع إسرائيل، تقبلون الحوار مع اسرائيل، تقبلون تسوية مع اسرائيل، لماذا مع نظام عربي له الكثير من الإيجابيات ولديه سلبيات مرفوض الحل السياسي" ...دلوني على المنطق".
ولنا مع هذا الكلام وقفات:
الوقفة الأولى: أن العاقل لا يمكن أن يترك الطريق السهل الميسر، ويلجأ إلى الطريق الوعر الشاق إلا إذا كان لديه مقاصد خفية ومآرب خاصة، فليفسر لنا الأمين العام لحزب الله إذن: ما دام زميله ورفيق دربه الرئيس السوري بشار الأسد يحمل كل هذه النوايا الطيبة تجاه شعبه، ولديه كل هذه الرغبة في الإصلاح، لماذا لم يقف أمام شعبه فور بدء الاحتجاجات والمظاهرات ويعلن عن تلبية مطالبه المحقة في الحرية والكرامة والتعددية والعدالة؟ ولماذا تأخر كل هذا الوقت في الإعلان عن هذه الإصلاحات حتى سالت كل تلك الدماء سواء من معارضيه أو مؤيديه؟ ولماذا اختار أن يعرض نفسه وحكومته إلى كل تلك العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية العربية والدولية، ويتسبب بكل تلك الانتقادات التي اتهمته بالوحشية والإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟ لماذا لم يقطع الطريق على كل "العصابات المسلحة التي استغلت المظاهرات للاعتداء على مؤسسات الدولة والمواطنين على حد سواء"؟ ولماذا ترك الذرائع مشرعة أمام أولئك "المتآمرين على سوريا ودورها العروبي الممانع" والذين وجدوا في اعتماده على الحل الأمني مع المحتجين ضالتهم المنشودة للتدخل في شؤون سوريا والتآمر عليها كما يزعم النظام، لو كان زاهداً في الكرسي كما يزعم ويدعي هو وأنصاره لقبل على الفور الانصياع لإرادة شعبه ولما أراق وما يزال كل هذه الدماء.
ولنفترض أن ضميره قد استيقظ مؤخراً فلماذا لم يقف أمام العالم بجرأة ويصدر أوامره بوقف المجازر التي يرتكبها جيشه وشبيحته بحق الأطفال والنساء والشيوخ منذ أحد عشر شهراً فوراً ويخرج عشرات ألوف المعتقلين من سجونه، ويعلن اصطلاحه مع شعبه واستجابته لمطالبهم المحقة والعادلة، وإذا كان نصر الله يتساءل: دلوني على المنطق في عدم قبول الحل السلمي مع النظام السوري بينما تقبلونه مع إسرائيل، فنحن نعكس السؤال ونقول: ولماذا لا يقبل حليفك بشار إلا اعتماد القتل وارتكاب المجازر بحق الناس ما دام يريد لهم كل ذلك الخير الموعود، وكيف سيصدق الناس مزاعم الإصلاح الموعود وهم يواجهون الموت صباح مساء على أيدي من يعدهم بالإصلاح؟ دلنا على المنطق.
الوقفة الثانية: نسأل حسن نصر الله ما الجديد في الإصلاحات والدستور الجديد الذي سيجري التصويت عليه يا ترى؟ وما عيب الدستور الذي القديم الذي وضعه والده؟ أولم تسوق ثورة والده حافظ نفسها على أنها حركة تصحيحية، أو لم يصنف حافظ الأسد على أنه أعظم رئيس جاد به الزمان على سوريا منذ فجر التاريخ حتى قال بشأنه أحد المعجبين : "لو كان بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيا لكان حافظ الاسد" وتمت بيعته إلى الابد، ومع ذلك:هل جرت مجازر حماة وجسر الشاغور وتل الزعتر وسجن صيدنايا وغيرها وغيرها الكثير الكثير إلا في بحبوحة الحركة التصحيحية ومبادئها العظيمة؟ وفي ظل حكم الرئيس القائد وعهده الميمون؟ وهل جرت كل المجازر الحالية والاعتقالات والتهجير واقتحام المنازل وانتهاك الأعراض منذ أحد عشر شهرا إلا بعد أن الغى بشار الأسد قانون الطوارئ؟ ما فائدة أن يكتب قانون دولة فاضلة لا يجد الناس له أي أثر على الأرض؟ أولا تنص مواد الدستور القديم على أن الحرية حق مقدس؟ وأن الدولة تكفل للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم؟ وعلى أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، وعلى أن كلاً منهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم، وعلى أنه لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقا للقانون، وعلى أنه لا يجوز تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. وعلى أن المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون" إلى آخر ما هنالك من مبادىء عادلة ونظم مثالية؟ لكن أين ومتى طبق شيئ من هذه المواد وتلك القوانين؟ أو لم ير العالم كله إجبار المعتقلين على السجود لصور بشار والقول بأنه ربهم؟ أو لم تقتحم البيوت وتنتهك حرماتها، أو لم تهن كرامات الناس وتوطأ رقابهم؟ أو لم تقصف المساجد ويمنع الناس من أداء الصلاة؟ أو لم تقصف المستشفيات ويخطف الجرحى ...إلخ كل ذلك حدث في ظل القانون الذي يحرم ويجرم تلك الأفعال، إذن العيب ليس في القوانين ولا في الدستور بل بالسلطة التي لم تطبق ولا تريد أن تطبق القانون، وهذا ما يدفع الشعب السوري بأغلبيته الساحقة على الإصرار على المطلب الأهم وهو إسقاط النظام، ولو دفعوا في سبيل ذلك أرواحهم وأموالهم وحياتهم، لأن البلية كلها تكمن في السلطة الحاكمة التي تستطيع في أي وقت أن تدوس على القانون وتفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب، وليست المشكلة في الدستور ولا مواده،ولم يعد أحد من أبناء الشعب يصدق أياً من وعود الإصلاح المزعوم.
الوقفة الثالثة:
إذا كان النظام واثقاً من أن أغلبية الشعب معه تؤيد نهجه وإصلاحاته وتسير في مسيراته المليونية في كل المدن والقرى السورية تعبيرا عن الولاء المطلق للرمز والقائد، فلماذا يخاف بشار من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع؟ لماذا لا يدعو إلى انتخابات حرة ونزيه وبإشراف دولي محايد ليثبت للقاصي والداني ولكل المشككين أن الشعب بأغلبيته الساحقة مع النظام ويتمسك برئيسه ولا يقبل عنه بديلاً.
الوقفة الرابعة: نعم يمكن أن نفهم كلام الامين العام لحزب الله في حالة واحدة هي: إذا سلمنا له أنه وحده ومن يقف في صفه ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الأمة من يحق لهم تولي السلطة والحكم، ومن يمتلك حق حمل السلاح والقوة لأنهم وحدهم المؤتمنون على الأمة وحماتها وحراس هويتها أما الآخرون فهم متآمرون وعملاء وخونة ولا زالوا مراهقين لا يسلمون سلطة ولا سلاحاً، بل يجب أن يبقى محجورا عليهم أبد الآبد ودهر الداهرين، لكن هذا ولسوء حظ الأمين العام والرئيس السوري بشار ما لم يقبل به أحد ممن أيقن بحقه بالتحرر وبقول عمر بن الخطاب"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".