أفغانستان, التنصير
أفغانستان على شفا هوة التنصير
الاحد 19 فبراير 2012
حقيقة أنها حرب سافرة وقذرة تلك التي يشنها عباد الصليب على الإسلام, ولا شك أنها ليست حربًا من أجل ثروات العالم العربي والإسلامي كما يتردد على مسامعنا ليل نهار، ولا لأنهم يرعون مصالحهم كـ «قوة عظمى» كما يزعمون ذلك في المقام الأول، ولا هي طبعًا مجرد حرب على الإرهاب المزعوم الذين هم أربابه, بل إنها حرب لأجل القضاء على الإسلام وأتباعه الذين تشتعل قلوبهم غلاًّ وحقدًا عليهم, ونحن اليوم نتناول في تلك الحلقة أحد جوانب هذه الحرب وهو التنصير، تلك الأفعى السامة التي تسعى على الأراضي الإسلامية في غفلة من أصحابها, بل والأدهى والأمر أن غالبية وسائل الإعلام العربية تحاول التغطية على أخباره وبتواطؤ مكشوف من قياداته العليا في المناطق الإسلامية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وليت الأمر اقتصر على التغافل والتكتم على هذه الحرب الصليبية، إنما صارت الجهات الأمنية المسئولة في تلك البلاد تطارد كل من ينطق ببنت شفاه في هذا الموضوع، ولا تسمح بأي مطبوعات في ذلك الشأن وإن طبعت لا تدخل للتوزيع، وقد تقوم باعتقاله أو تلوح بذلك! وصار أكبر همِّ وزارات الإعلام العربية إصدار توجيهاتها لكافة المطبوعات والمطابع بعدم نشر تقارير عن حملات التنصير تلك, واليوم نأخذ على سبيل المثال لا الحصر أحد الدول الإسلامية التي يمارس فيها التنصير دون أدنى استحياء تلك هي أفغانستان السليبة فرَّج الله كرب أهلها المسلمين وكشف الغمة عنهم.
والغزو الصليبي والنشاط التنصيري على أفغانستان لم يقتصر على الغرب فقط الذي هو حامل لواء الصليبية, بل أيضًا يأتي من الشرق الآسيوي الوثني والملحد الذي غزاه الصليب أيضًا فأصبح ينفث سمه بين أقرب المسلمين إليه.
وبداية نلقي النظر على التنصير القادم من الغرب مع الاحتلال الأمريكي وأعوانه, فبينما نفى الجيش الأميركي بأفغانستان ما تردد عن قيام عناصره بحملات تبشيرية بين السكان المحليين, وأكدت القوات الأميركية أنها لم تسمح لعناصرها في أفغانستان بتوزيع نسخ من الإنجيل باللغات المحلية (البشتو والداري) على السكان المحليين في إطار حملة "تبشيرية" بين صفوفهم, أنتج الأميركي "برايان هيوز" وهو عسكري سابق بأفغانستان فيلمًا وثائقيًّا يظهر أيضًا بعض الضباط والجنود الأميركيين في جلسات دينية خاصة، يتحدثون عن أهمية نشر تعاليم "المسيحية" في صفوف الأفغان.
وفي مشهد من الفيلم المذكور يلقي أسقف بالجيش الأميركي أمام الجنود كلمة يؤكد فيها أهمية التنصير الذي يرقى إلى مستوى العمليات القتالية بقوله: "الجنود يصطادون الرجال، ونحن علينا أن نصطاد الرجال من أجل دعوتهم إلى مملكة الرب عبر التبشير" بحسب زعمه.
وبداية ممارسة التنصير على الأراضي الأفغانية جاء بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية ودول حلف الشمال الأطلنطي حربها على الإرهاب، حيث شهدت أفغانستان وصول موجة عارمة من المنصرين تدفقوا من كل حدب وصوب "لينقذوا شعبًا يقف على عتبة الموت من دون المسيح" حسب زعمهم، ومجتمعًا "لا توجد فيه كنيسة واحدة"، وأرضًا "بحاجة إلى أن تحاصر بالصلوات "المسيحية"".
والمطلع على الساحة الأفغانية ومن ثم حقيقة مؤسسات التنصير فيها فسيجدها تستمد قوتها من السياسة، وهي ليست إلا تكتيكًا لتحقيق إستراتيجية الاحتلال والهيمنة، بعد مرور أربعين سنة على تشييد أول كنيسة للبروتستانت في أفغانستان ثم تخريبها بالجرارات تجدد حديث التنصير مرة أخرى في تلك البلاد التي لم تكن لها تجربة مع "المسيحية" على امتداد تاريخها الطويل.
وبنظرة ثاقبة نرى أن العلاقة بين الصليب والسلاح لم تكن وطيدة في فترة حكم الجمهوريين، ولكن الأمر اختلف في ظل إدارة الرئيس أوباما وفي الأسابيع الأولى من عام 2010م حيث كشفت قناتا "سي إن إن" و"إي بي سي" الأميركيتين أن شركة تريجيكان التي تعتبر من الشركات الأساسية لتزويد الجيش الأميركي بالسلاح والعتاد تصنع أسلحة سماها البعض ببندقية المسيح، حيث طبعت عليها إشارات من آيات الإنجيل.
وعرضت القناتان صورة بندقية مكتوب عليها الآية رقم 12 من الإصحاح الثامن لإنجيل يوحنا، كما أنها عرضت منظارًا للقوات الخاصة في أفغانستان طبعت عليه الآية السادسة من الإصحاح الرابع لرسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس, وقد جاء على لسان نائب وكيل وزارة الدفاع الأميركية: "أريد أن أقابل المسيح عند أبواب الجنة والدماء تسيل من يدي وركبتي والرمح بيدي وأقول له: انظر! أنا جئت من المعركة، أنا كنت أقاتل من أجلك".
إنَّ النشاط التنصيري شهد تزايدًا ملموسًا بعد سقوط نظام طالبان والهجوم العسكري الأمريكي على أفغانستان؛ حيث وَجَدَتِ المنظمات التنصيرية الغربيَّة الفرصة سانحة لتكثيف نشاطها في العاصمة كابل وبعض الولايات، مستغلَّة حاجة الشعب للمساعدات والخدمات في مجالاتٍ مثل: الصحة والتعليم والزراعة وغيرها.
وقد قام الاحتلال الأميركي بفتح أبواب ونوافذ كثيرة أمام المنصرين الرسميين وغير الرسميين الذين أتوا من كل حدب وصوب مثل بعثة المساعدة الدولية، والرؤية العالمية، ومجلس البعثة الدولية، ومجتمع كنيسة أنطاكية، والعلاج الدولي، والعناية الدولية، والمأوى العاجل، ومنظمة الخدمات، وإنجيل السلام، وأوكسام، وسماريتن، والمعمدانية الجنوبية لتكساس، وغيرها الكثير وكان ظهور فيلم وثائقي تضمَّن لقطات لشابٍّ أفغاني متنصِّر وهو يردِّد كلماتٍ دينيةٍ "مسيحيةٍ"، ويؤدِّي طقوسًا نصرانيةً، وظهر شباب أفغان آخرون أثناء مراسم غسل التعميد دليلاً على اختراق تلك الهيئات للمجتمع الأفغاني المسلم.
ويعتمد الغزوالتنصيري في أفغانستان اليوم بالأساس على تمويل غربي وجهود بشرية يقوم بها شرقيين مثل النيباليين والباكستانيين والإيرانيين والهنود والكوريين والفلبينيين وأناس من طاجكستان وأوكرانيا ودول أخرى كما ذكرنا ذلك أعلاه, إن هناك اتجاهين يأتي منهما الغزو الصليبي والحملات التنصيرية تحدثنا بإيجاز الغزو الغربي المتمثل في الاحتلال الأمريكي وأعوانه، ونعرج فيما يلي على نموزج من الموجة التنصيرية القادمة من الشرق على سبيل المثال كوريا.
فعند الحديث فقط عن جيوش التنصير الكورية في أفغانستان نرى ما يذهل العقل في حشد هؤلاء لأنفسهم والاستماتة في نشر باطلهم، فقد كشفت صحيفة فرنسية مؤخرًا عن حجم النشاط التنصيري الذي تقوم به الكنائس الكورية الجنوبية؛ إذْ إن هناك حوالي 16 ألف منصر كوري يعملون حول العالم، منهم 2000 منصر ينشطون في أفغانستان.
وأشارت "ليبراسيون" إلى أن الكنيسة الكورية الجنوبية تمكَّنت خلال صيف العام 2006م من إرسال 2000 إنجيلي إلى كابل بتأشيرات سياحية، ولكن نجاح طالبان في احتجاز بعضهم أثار جدلاً واسعًا في أوساط الشعب الكوري الجنوبي، فالمثقفون والدبلوماسيون وكتاب افتتاحيات الصحف لا يخفون تشكيكهم في قدرة هذا العدد الضئيل على التأثير الروحي على بلدٍ إسلامي مثل أفغانستان.
من جانبها، قالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية: إن هؤلاء المنصرين حُذروا أو على الأقل حُذرت كنائسهم المختصة في التنصير في الأراضي ذات الغالبية المسلمة، سواء في آسيا أو الشرق الأوسط، من مغبة تنفيذ مهام دينية أو إنسانية في أفغانستان.
وذكرت أن عدد المنصرين الكوريين الجنوبيين هو الأكبر في العالم بعد عدد المنصرين الأمريكيين (46 ألف منصر).
وأكدت الصحيفة أن أهم شيء بالنسبة لهذه الكنيسة هو إخراج المسلمين عن دينهم, هذا وتمتلك كنيسة "كنوري" البروتستانتية الكورية الجنوبية وحدها 500 بعثة تنصيرية في 53 دولة منها أفغانستان.
وتتنافس الكنائس البروتستانتية والكاثوليكية الكورية الجنوبية فيما بينها حول مَن يرسل بعثات أكثر للخارج؛ وذلك بهدف تحطيم الصدارة الأمريكية للمنصرين، لتصبح سول صاحبة أكبر عددٍ من المنصِّرين في العالم, ويلجأ المنصرون الكوريون الجنوبيون إلى الحصول على تأشيراتٍ طلابيةٍ ومهنيةٍ أخرى لدخول تلك الدول بهدف نشر "المسيحية" هناك, كما أنهم يعملون على نشر أفكارهم هذه عبر "العمل في هدوءٍ وبحكمة", فهل من عاقل يعي ويدرك حجم تلك الكارثة؟
ويتركَّز النشاط التنصيري في أفغانستان بالدرجة الأولى في العاصمة كابل وولايات مثل هراة، وباميان, وبلخ، وننجرهار؛ حيث تمَّ إنشاء كنائس سرية في مدن باميان وهراة وجلال آباد ومزار شريف، إضافة إلى وجود العديد من الكنائس السرية في أحياء من مدينة كابل".
وكشف البحث أنَّ المنصرين الأجانب هم الذين يديرون هذه الكنائس التي تُقام فيها طقوس ودروس نصرانية بانتظام، كما تمَّ ابتعاث عدد من الأفغان - الذين تحولوا إلى النصرانية - إلى دول مثل: الهند وأوكرانيا وتاجيكستان؛ لأخذ دورات تمكِّنهم من التعمُّق في فهم النصرانية، واستيعاب مناهج التنصير وأساليبه.
وقد فسَّر المراقبون عدم تحرُّك الحكومة الأفغانية القوي لمكافحة أنشطة التنصير - التي تُخالف مواد الدستور الأفغاني والقوانين السائدة في هذا البلد - بالعلاقات القوية التي تربط بين المؤسَّسات التنصيرية والولايات المتحدة والدول الغربية التي تؤثِّر بوجودها العسكري ومساعداتها الاقتصادية على قرارات الحكومة الأفغانية العميلة, بل وقد تَفْقِدُ القوانين الأفغانية مفعولها أمام أمريكا والدول الغربية، كما في حالة أحد المواطنين الأفغان الذي تَنَصَّرَ وصدر حكم المحكمة عليه بالإعدام لكن بدلاً من تنفيذ الحكم فيه تمَّ إخراجه من السجن، ونُقل إلى العاصمة الإيطالية روما؛ ليُستقبَل استقبال الأبطال، ويُحتضن بحفاوة من قِبَلِ الحكومة الإيطالية والدوائر الكنسية فيها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لقد كان رسوخ الإسلام وتعاليمه على الأراضي الأفغانية وبين أهلها السبب الرئيس في الغزو الصليبي لأفغانستان, فمن المعلوم أن الإسلام بالنسبة للإنسان الأفغاني ليس رابطة روحانية تنظم علاقة الفرد بربه فقط، بل هو انتماء يلازم الإنسان من مهده إلى لحده ويغطي جميع ميادين حياته الفردية والاجتماعية وكذلك الثقافية أي في جميع مناحي حياته.
ويعتبر الإسلام كذلك عنصرًا من عناصر القوة الوطنية، إذ إن جميع حروب الاستقلال التي خاضها أهل البلاد ضد المغول والإنجليز والروس وغيرهم كانت لها منطلقات دينية، والأبطال الذين قادوا هذه الملاحم يعتبرون رموزًا إسلامية مرموقة.
إن الإسلام مقوم أساسي من مقومات المجتمع الأفغاني وبزعزعته تنهار أسس المجتمع وثوابته، والتنصير اليوم يخل بانسجام المجتمع الأفغاني ومنظومة قيمه التي تعتبر عنصر تماسك بين القبائل المتناحرة المتشاكسة التي لا يجمعها شيء غير أواصر الدين الذي ساعدهم على الحياة في أحلك لحظات تاريخها.
إن محاولة تنصير الشعب الأفغاني ليست دعوة إلى ديانة جديدة فحسب، بل هي عملية "استعمارية" مدروسة لقطع جذوره الحضارية واجتثاث عوامل الوحدة والقوة في شخصية الإنسان الأفغاني وضرب حصون المناعة والمقاومة الراسخة في نفسه.
إخوتي أخواتي أحبتي في الله أليست أفغانستان بعد كل ما سبق على شفا هوة التنصير؟ وليس لدي تعليق بعد ذلك, وإلى الملتقى إن شاء الله في قضية جديدة من قضايا المسلمين التي لا تننهي.