17-05-2013 ~ 04:43 PM
في صحبة مالك بن نبي
مشاركة رقم 1
مدير عام
تاريخ التسجيل : Jan 2012
عمر مسقاوي
يعد المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973م) من أبرز المفكرين المسلمين الذين استطاعوا أن يشخصوا مشكلات راهن العالم الإسلامي، ومشكلات الحضارة الإنسانية. وقد تمكن من تشخيص العلل التي تسببت في إنتاج حالة القابلية للاستعمار والتخلف بمنطق رياضي، والذي كثيرًا ما استخدمه في منحنيات فكره الذي اتسم بكثير من الواقعية. لم يكن مالك بن نبي ينظر إلى الواقع الإسلامي وما ألم بالمسلمين من برج عاجي؛ فقد كان ضد الترف في التنظير، وضد استعمال المخيلة في تشخيص أدواء تسببت في نكبة العالم الإسلامي، وكان يدعو على الدوام إلى الاحتكاك بالواقع المعيش وإنتاج معرفة من وحي هذا الواقع.
لم يربط مالك بن نبي فكره بموقع جغرافي معين؛ فرغم انتمائه إلى الجزائر كان فكره على امتداد خط (طنجة-جاكرتا)، وحاول أن تكون أطروحاته الفكرية بحجم التحديات المحدقة بالعالم الإسلامي، ونجح إلى أبعد الحدود في إنتاج نظريات معرفية إسلامية يستفيد منها المسلمون في باكستان والجزائر ومصر والهند ولبنان وإيران وغيرها من الدول الإسلامية. وكان يعتبر أن المعضلة -أي معضلة- في العالم الإسلامي متشابهة من حيث ظروف التكون والنتائج، وأن حلها يتطلب تضافر جهود المجموع الإسلامي الذي كان يطالبه مالك بن نبي بضرورة النهوض ومواجهة التحديات الحضارية الكبيرة.
عمر مسقاوي المفكر والوزير اللبناني البالغ من العمر حاليًّا 78 عامًا، والحاصل على ماجستير في قضاء الأحوال الشخصية من جامعة القاهرة، والحاصل على إجازة الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر الشريف، وهي الفترة التي تواجد فيها في القاهرة مالك بن نبي وصارت دروسه فيها تلقى قبولاً مذهلاً. ومنذ عام 1956م، حيث كان مالك بن نبي قد بلغ 54 سنة، وكان عمر مسقاوي شابًّا تجاوز العشرين من عمره بعام واحد؛ لازم عمرُ مسقاوي أستاذَه مالكَ بن نبي آخِذًا من علمه، فكلفه -كما يقول- بالوصاية على كل ما كتبه في وصية قانونية مسجلة في المحكمة الشرعية في طرابلس بلبنان.
وها هو عمر مسقاوي، بعد أربعين عامًا من رحيل مالك بن نبي يؤدي الأمانة؛ ملقيًا أضواء ساطعة وشاملة (بانوراما) على فكر مالك؛ تعتصره وتعمقه وتقربه لفهم القارئ، وتعرفه بالبيئة الثقافية التي عاشها مالك، وكل من كانت له صلة به من مفكرين وسياسيين وعلماء دين وعلم وثقافة، ومن أحاط به، وكان له أثر في حياته ومسيرته الفكرية، كما عرفه بالأحداث التي عاصرها وكان لها أثر في حياته.
في صحبة مالك بن نبي
"في صحبة مالك بن نبي" هو كتاب ضخم (2جزء 1322 صفحة من القطع المتوسط) يقدم عمر مسقاوي في هذا الكتاب شهادته حول علاقته بالمفكر مالك بن نبي وكتبه وفكره، مدعمةً بالوثائق والأوراق الخاصة.
بدأ عرضه من خلال كتابَيْ (الطفل)، و(الطالب) وما سجل في كتاب (العفن)، وخاصة فيما يتعلق بالفترة الأولى من حياة بن نبي، وهي المرحلة التي يتحدث فيها مالك عن حياته في الجزائر، وكيف كانت طفولته، وعلاقته بأهله وأصدقائه، وجماعة عبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، والتيارات الفكرية المتأثرة بالحضارة الغربية.
ولد مالك بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي في مدينة "تبسة" التابعة لولاية "قسنطينة" في شهر ذي القعدة 1322 للهجرة، الموافق لشهر يناير 1905 ميلادية. وكانت عائلة بن نبي فقيرة للغاية؛ إذ لم يكن لأبيه مورد رزق، الأمر الذي جعله يتوجه للعيش مع عمه في مدينة "قسنطينة"، حيث احتك هناك بالمدينة التي ظلت محافظة على أصالتها الإسلامية ونمطها العمراني، ومعروف أن هذه المدينة أنتجت عشرات الشخصيات الجزائرية التي أَثْرت الحركة الوطنية والعلمية من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولعبت جدته لأمه دورًا كبيرًا في صقل مخيلته ووجدانه بالحكايات الإسلامية وتأثير العمل الصالح على حياة الإنسان، فشكلت تلك الحكايات والقصص بدايات تكوينه الديني، كما تأثر مالك بأمه التي كانت خياطة وكانت تجتهد لمساعدة الأسرة على تجاوز أعباء الحياة. وعندما كان مالك بن نبي يقيم في مدينة "قسنطينة" سمع عن مئات الأسر الجزائرية التي هاجرت إلى ليبيا التي فرت من جحيم الاحتلال الفرنسي الذي صادر الأراضي الزراعية من أصحابها وسلمها للإقطاعيين الذين كانوا يدعمون الاستعمار الفرنسي، كما كان يسمع عن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر وما ألحقه الاحتلال الغربي بالجزائر، غير أن مالك بن نبي لم يمكث طويلاً في "قسنطينة"؛ إذ سرعان ما عاد إلى مسقط رأسه "تبسة" بعد وفاة عمه.
وفي تلك المرحلة عملت الإدارة الفرنسية على السيطرة بالكامل على نظام التعليم، فأقامت مدارس "كولونيالية" لإقناع التلاميذ الجزائريين بشرعية الاستعمار ودوره في نشر المدنية في الجزائر, ولذلك كان المنضم إلى هذه المدارس يحرص على التوجه إلى الكتاتيب والمساجد للحصول على معينه من الثقافة الإسلامية، وهذا ما حدث مع مالك بن نبي الذي التحق في مدنية "تبسة" بمدرسة فرنسية واستمر في التردد على الدروس المسجدية ليحافظ على هويته العربية والإسلامية. وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية من المدرسة في مدينة "تبسة" توجه إلى مدينة "قسنطينة" ليكمل تعليمه، وهناك بدأ يتأثر ببعض المجلات العربية والإسلامية التي كان يصدرها بعض رجالات الإصلاح في الجزائر.
تأثر بمجلة "الشهاب" التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي كان يكتب فيها الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الإبراهيمي، وغيرهما, وكثيرًا ما كان مالك بن نبي يبدي إعجابه بمعلمه الفرنسي "مارتان" الذي علمه فن تذوق القراءة وضرورة إدمان القراءة واعتبار المطالعة مفتاحًا لأي عمل فكري وحضاري.
أكمل مالك بن نبي دراسته المتوسطة والثانوية في مدينة "قسنطينة", وسافر عام 1925م إلى "مرسيليا" و"ليون" و"باريس" بحثًا عن عمل، ولم يتمكن من الحصول على أي عمل، فعاد إلى الجزائر حيث توظف كمساعد كاتب في محكمة "أفلو" في مدينة "تبسة"، وقد سمح له هذا العمل أن يدنو من الشرائح الاجتماعية والشعب الجزائري، كما لامس معاناته مع الاستعمار الفرنسي.
بدأ مالك بن نبي يدمن القراءة والإطلاع، ويبحث عن الكتب التي تتحدث عن أسباب الانهيارات الكبرى في هذا الشرق، فقرأ كتاب "الإفلاس المعنوي: هل هو للسياسة الغربية في الشرق؟" لأحمد محرم، وكتاب "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده، وكتاب "أم القرى" لعبد الرحمن الكواكبي، بالإضافة إلى ذلك فقد كان يقرأ كتبًا باللغة الفرنسية يستعيرها من مكتبات البعثات الإنجيلية التي كانت منتشرة في الجزائر.
في سنة 1928م تعرف مالك بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس (1887-1940م) حيث تعرف إلى فكره الإصلاحي ورؤاه النهضوية وحرصه على الحفاظ على عروبة الجزائر وإسلاميتها، وقد أثرت فيه أفكار الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى أبعد الحدود، ويمكن القول بأن هذه الأفكار هي التي صاغت توجهاته في وقت لاحق.
مالك بن نبي في باريس
ثم انتقل مسقاوي للحديث عن حياة مالك بن نبي في باريس، عندما كان طالبًا في المعهد التقني، حيث سافر مالك إلى باريس مرة ثانية في سنة 1930م، وحاول الانضمام إلى معهد الدراسات الشرقية إلا أنه لم يفلح في ذلك، وقد كان هذا المعهد حكرًا على النخب الفرنسية التي تؤهل للعمل مع وزارة الخارجية ودوائر الاستعمار الفرنسي، والذي كان له وجود في أكثر من دولة عربية وإسلامية، وما زالت معاهد الاستشراق في الغرب تلعب هذا الدور، حيث تبعث وزارات الاستخبارات والداخلية والدفاع أكفأ المنتمين إليها لدراسة العالم الإسلامي وتفاصيله في معاهد الاستشراق، ويصبح هؤلاء في نهاية المطاف خبراء في العالم الإسلامي، وقد يعين بعضهم سفراء في البلاد العربية والإسلامية. بالإضافة إلى ذلك لم يكن مسموحًا للجزائريين أن يدرسوا في مثل هذه المعاهد، وهو الأمر الذي أثر على نفسية مالك بن نبي وجعله يكتشف عنصرية هذا الاستعمار الغاشم الذي يسرق خيرات الشعب الجزائري ويحرم أبناء الجزائر من الدراسة، مجرد الدراسة في المعاهد المهمة. وعندما لم يتمكن مالك بن نبي من التسجيل في معهد الاستشراق درس في معهد اللاسلكي وتخرج منه مهندسًا كهربائيًّا. وتزوج سنة 1931م من سيدة فرنسية أسلمت على يديه، وكانت عونًا له على غربته، وساعدته على ولوج المجتمع الباريسي، وفي باريس التقى ابن نبي بغاندي وشكيب أرسلان وعشرات الشخصيات المغاربية والعربية. وعمل في هذه المرحلة صحفيًّا في جريدة "لوموند" الفرنسية، وقد أتاحت له هذه التجربة التعرف على الخارطة الثقافية والفكرية الفرنسية ومنحنيات التفكير الغربي الاستعماري. كما شرع في هذه المرحلة في كتابة أوائل كتبه، ومنها: "الظاهرة القرآنية" الذي كتبه سنة 1946م، ورواية "لبيك" سنة 1947م، و"شروط النهضة" سنة 1948م.
مالك بن نبي في القاهرة
وبعد تخرجه من المعهد بقي مالك بن نبي في باريس من عام 1939م إلى 1956م، حيث انتقل إلى القاهرة ليدعم الثورة الجزائرية. وكانت تراود مالك بن نبي فكرة الذهاب إلى مصر التي كانت تحتضن الأزهر الشريف وحركات التحرر العربية. وكان يحاضر في المعاهد والمنتديات، وعين مستشارًا للمؤتمر الإسلامي في القاهرة، وأصدر فيها أول كتبه باللغة العربية "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة"، وكتاب "تأملات في المجتمع العربي"، وكتاب "ميلاد مجتمع"، و"حديث في البناء الجديد"، وكانت فترة إقامة مالك بن نبي في القاهرة فرصة ذهبية وطيبة للفكر الإسلامي، حيث فتحت له آفاق التعرف إلى مثقفين كانوا قد قرءوا له مؤلفاته التي تدور حول الحضارة مترجمة من اللغة الفرنسية إلى العربية، وكان عبد الصبور شاهين هو المترجم ومعه عمر مسقاوي، كما أطلقت طاقات مالك بن نبي الرُّوحية الدفينة، وكان من مكاسبها مؤلفاته الأخيرة التي كتبها باللغة العربية نفسها، ذلك بعد أن اتصل بالمجتمع العربي، وحضر عشرات الندوات والاجتماعات، وناقش العديد من علماء مصر وعلماء الإسلام الذين كانوا يلقونه أحيانًا في أمسيات الجمعة في ندوة الشيخ أحمد حسن الباقوري.
يذكر عمر مسقاوي أنه في يوم 26/7/1959م امتلأت إحدى قاعات كلية الآداب في جامعة دمشق بصفوة المثقفين يتقدمهم رئيس الجامعة حكمت هاشم ومختلف أساتذة الفلسفة. لقد كان عنوان محاضرة ابن نبي "خواطر حول نهضتنا العربية" والتي كانت في ظل تفاؤل الناصرية والوَحدة بين مصر وسورية وشعارات الثورة والوَحدة، وأخذ مالك بن نبي يرسم مخاوف في خواطره إذا لم تتخذ النهضة القائمة سبل التأسيس لدورها في بناء الفاعلية في الثقافة والتربية وتؤسس لمعادلة شخصيتها وتصنع تاريخها. لقد كان ابن نبي وكأنما يخاطب المناخ الجديد بأننا أصبحنا على أبواب عهد جديد لا نعرف اسمه بعد، وإنما بدأنا نرى علاماته في الآفاق وفي أنفسنا، في عالم تبصر فيه عيوننا إلى بعد المئات من الكيلومترات، ويمتد حضورنا إلى أي مكان من العالم بسرعة الضوء. إن ذلك يتطلب نظرة تتحدد فيها الخيارات نحو العالم بما يوفر شروط انسجامها مع ضرورات السير العالمي في نظرة إلى الداخل أولاً تحافظ على الاتجاه الصحيح نحو واجبات نظرتنا إلى الخارج، وهذا ما يلزمنا ثانيًا بتجديد منهجية النهضة في بناء عالمنا العربي، فحين نقارن أسباب تخلفنا عن مسار النهضة منذ عام 1868م أي في أول اتصال بأوروبا بالمقارنة مع اليابان نرى أن الأسباب تعود إلى:
1- عدم تشخيص غاية النهضة تشخيصًا واضحًا.
2- عدم تشخيص المشكلات الاجتماعية تشخيصًا صحيحًا.
3- عدم تحديد الوسائل تحديدًا يناسب الغاية المنشودة.
فالنهضة افتقدت في السبب الأول اعتبار التاريخ عملية اجتماعية محددة الأسباب والنتائج ومرتبطة بمصير الإنسان ترفع من حظه أو تلقيه في الحضيض. لذا فالتاريخ ليس مجرد تسلسل حوادث على شاشة الزمن كما اتجه إليه فكرنا فسار بنا مركبُه في نهر التطورات إلى مصير انتظاري في أساس تكويننا المتخلف عن مسيرة العالم. فقد أشار ابن نبي إلى أن الضعف في تلقائية هذا المسار في القرن العشرين أدى إلى السبب الثاني أي إلى غياب تشخيص المشكلات، مشكلات النهضة لجهة ضرورات الخارج؛ إذ ما نزال نفكر خارج طبيعة المشكلات، فكثير من المشكلات تعرض لنا، لكننا لا نتعرض لها بفكرنا، ولكن بعاداتنا الفكرية، وقد يكون نصيبنا من النجاح قليلاً من دون أن نشعر بذلك أحيانًا؛ لأننا نفقد وسائل الرقابة، ثم أنه ليس في أيدينا المقاييس لتقدير النتائج تقديرًا صحيحًا، فالقضية الاجتماعية مهما كانت ظروفها لا تعالج بالبديهيات التي ترى العلاج النافع في وضع النقيض أمام كل داء. أما السبب الثالث، فإننا إذا حللنا مسيرة النهضة منذ عام 1868م حتى عام 1905م مثلاً بالمقارنة مع نهضة اليابان في تلك الفترة نفسها وجدنا أن النهضة اليابانية استوردت من أوروبا وسائل لبناء حضارة، بينما غرقت النهضة العربية الإسلامية في عالم أشياء لم تكن تعرفها، فاستوردتها من دون ربطها بأية دوافع تحرك هذه الأشياء بالفكرة التي تقحمها بالعملية الاجتماعية، وهكذا انساقت النهضة بين التفريط والإفراط. من هنا تبدو أهمية المعادلة الاجتماعية التي حدد عناصرها في دراسته وهي الربط بين: الإنسان، والتراب، والوقت؛ إذ كل منتج حضاري هو حصاد هذه العناصر الثلاثة.
العودة إلى الجزائر
كما تحدث مسقاوي عن مرحلة عودة مالك بن نبي إلى الجزائر عام 1963م، وما صاحبها من تعاون ابن نبي مع الحكومة الجزائرية عندما تسلم رئاسة التعليم العالي، ولقائه ابن بلَّة، وآماله الكبيرة بنهوض الجزائر، وشفائها من عقابيل الاستعمار، ولكن حدثت عدة إشكالات بددت آماله، وعلى أثرها زار سورية ولبنان والتقى كتابها ومفكريها، وكان له محاضرات مسجلة، ورصد المؤلف كلتا الزيارتين وما نتج عنهما.
يرى مسقاوي أن مالك بن نبي ربط مشروعه بالعالم الإسلامي الذي يستبطن ثورة في إطار من الجغرافيا السياسية، وذلك يتجلى في كتابه (فكرة "كومنولث" إسلامي) حين لم تجد فكرة (الإفريقية الآسيوية) نجاحًا كطريق جديد للثقافة الإسلامية على رغم شروع تفاعل حركتها على حدود ثقافة "اللاعنف" في الهند، وذلك مسار غير مسبوق في تجدد حيوية الفكر الإسلامي في مداه العالمي. هذا الرصيد الذي حمله ابن نبي العائد إلى الجزائر أسس له أملاً يغشاه ضباب القابلية للاستعمار. فالسنوات العشر في الجزائر التي انتهت بوفاته لم تُضِف إلى تراث ما قدَّم في جزائر الولادة والنشأة والقاهرة ثانيًا إلا تفصيلاً لكتابه "بين الرشاد والتيه" وإنهاءً لكتابه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" وأخيرًا "المسلم في عالم الاقتصاد". أما كتابه "ميلاد مجتمع" فكتبه وهو يتهيأ لعودته للجزائر، وأسس به "فقه فاعلية شبكة العلاقات الاجتماعية". وهكذا أرسى وهو على عتبة مسؤولياته كمدير عام للثقافة ورئيس لجامعة الجزائر خطة منهج لسائر ما حملت حقيبته التي عاد بها للجزائر، لكنها لم تجد ملاذًا في خطط العهد الاستقلالي، ولا في تنمية وعي جديد يؤسِّس -كما أشار في مقالاته- لعلم اجتماع خاص بالبلاد التي خرجت من الاستعمار ومن القابلية للاستعمار. ونشير هنا إلى ندوته الأسبوعية لجيل جاء من بعده ينشر فكره. لقد كان مالك بن نبي عام 1965م بالغ الإحباط والقلق. ومع إيمانه بصحة مشروعه انتهى إلى استحالة تطبيقه على رغم إيمانه بوعد النور الإلهي.
لقد نجح مالك بن نبي في تأليف عشرات الكتب والدراسات وكتابة مئات المقالات، وقد عثر بعض الباحثين على العديد من الدراسات التي كتبها بخط يده ولم تر النور في حياته فطبعت بعد موته بسنوات، وكثيرًا ما كان مالك بن نبي يقول: إن الكتب والأفكار التي تؤثِّر في التاريخ؛ إنها العواصف التي تغير وجه العالم.
كما زود عمر مسقاوي كتابه بحواشيَ توضح الأفكار والأحداث وتعرف بالشخصيات. وقدم المؤلف كذلك العديد من المستندات والوثائق التي تساعد على تثبيت الأحداث والتأريخ الدقيق لحياة المفكر العظيم مالك بن نبي.